إن جماعة من الناس ذهبوا إلى أن الوجود صفة يتجدد على الذات التي هي
ذات في حالتي الوجود و العدم و هذا في غاية السخافة و الوهن فإن حيثية الماهية و
إن كانت غير حيثية الوجود- إلا أن الماهية ما لم توجد لا يمكن الإشارة إليها
بكونها هذه الماهية إذ المعدوم لا يخبر عنه إلا بحسب اللفظ فالماهية ما لم توجد لا
تكون شيئا من الأشياء حتى نفس ذاتها لأن كونها نفس ذاتها فرع تحققها و وجودها إذ
مرتبة الوجود متقدمة على مرتبة الماهية في الواقع و إن كانت متأخرة عنها في الذهن
لأن ظرف اتصاف الماهية بالوجود هو الذهن كما
[1]إن كان المراد بالشيء الشيء وجوده و هو الماهية كما مر
في كلامه السابق- أن أقسام الشيء معلومة الأسامي و أقسام الوجود مجهولة الأسامي
فالمساوقة في ضمن المساواة في التحقق بمعنى أنه في أي نشأة تحققت الماهية تحقق
الوجود الخاص- و يدور أحدهما مع الآخر حيثما دار و إلا فالمساوقة بمعنى الاتحاد في
الحيثية ثم تحقيق تلك المساوقة أنه قد مر أن للوجود حقيقة و أن تلك الحقيقة أمر
واحد متفاوت بالشدة و الضعف و الوجوب و الإمكان و نحوها و أن الأعلى من مراتبه
الذي هو فوق التمام- و لا نقص له بوجه من الوجوه هو الوجود الواجبي الذي لا ماهية
له و أن ما سواه يلزمه حد و نقص فإن حد الإنسان أعني حيوان ناطق فقط حكاية عن نقص
مرتبة وجوده و كذا حد الحيوان أعني جسم ينمو و يتحرك بالإرادة و الحس فقط حكاية عن
نقص وجوده و لا شك أن نقص الوجود تبع له و لا تحقق له بدونه و من ذلك ظهر ما هو
الحق في نزاع آخر بينهم أن مرتبة تحقق الوجود مقدمة على مرتبة تقرر الماهية أو
بالعكس- ثم إن من دلائلهم على شيئية المعدوم أن ثبوت الشيء لنفسه ضروري و سلب
الشيء عن نفسه محال.
و الجواب أن ثبوت الشيء لنفسه ضروري بالضرورة الذاتية لا بالضرورة
الأزلية و سلب الشيء عن نفسه في حال العدم جائز إذ ليس حينئذ شيء بل معدوم بحت-
فهذا المذهب في غاية السخافة اللهم إلا أن يكون مرادهم تصحيح إثبات العلم الأزلي
إذ المنفي لا شيء محض لا انكشاف و لا تميز في الأزل به و لا وجود عيني و لا ذهني
للأشياء هناك و إلا لزم الكثرة في ذاته تعالى و لزم قدم الأشياء فيكون لها تقرر و
ثبوت و هذا أيضا باطل إذ لا يجب أن يكون لها ثبوت منفكة عن كافة الوجودات بل
ثبوتها تابعة لوجود ذاته تعالى كما هو مذهب الصوفية، س ره
اسم الکتاب : الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة المؤلف : الملا صدرا الجزء : 1 صفحة : 75