اسم الکتاب : الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة المؤلف : الملا صدرا الجزء : 1 صفحة : 2
في رتبة الوجود تاليه و ما من دابة فما دونها إلا و من شأنها البلوغ
إلى أقصى ما لها في ذاتها ما لم يعقها عائق و لنوع الإنسان كمال خاص لجوهر ذاته و
حاق حقيقته- لا يفوقها فيه فائق و لا يسبق به عليها سابق و هو الاتصال بالمعقولات
و مجاورة الباري- و التجرد عن الماديات و إن كانت له مشاركة بحسب كل قوة توجد فيه
لما يساويه من تلك الجهة أو يليه فلسائر الأجسام في حصوله في الحيز و الفضاء و
للنبات في الاغتذاء و النماء و للعجم من الحيوان في حياته بأنفاسه و حركته بإرادته
و إحساسه- و تلك الخاصية إنما تحصل بالعلوم و المعارف مع انقطاع عن التعلق
بالزخارف.
ثم لما كانت العلوم متشعبة و فنون الإدراكات متكثرة و الإحاطة
بجملتها متعذرة أو متعسرة و لذلك تشعبت فيه الهمم كما تفننت في الصنائع قدم أهل
العالم- فافترقت العلماء زمرا و تقطعوا أمرهم بينهم زبرا بين معقول و منقول و فروع
و أصول فهمة نحو نحو و صرف و أحكام[1]و
همة نحو فقه و رجال و كلام.
فالواجب على العاقل أن يتوجه بشراشره إلى الاشتغال بالأهم و الحزم له
أن يكب طول عمره على ما الاختصاص لتكميل ذاته فيه أتم بعد ما حصل له من سائر
العلوم و المعارف بقدر الحاجة إليها في المعاش و المعاد و الخلاص عما يعوقه عن
الوصول إلى منزل الرشاد و يوم الميعاد و ذلك هو ما يختص من العلوم بتكميل إحدى
قوتيه اللتين هما جهة ذاته و وجهه إلى الحق و جهة إضافته و وجهه إلى الخلق و تلك
هي النظرية التي بحسب حاق جوهر ذاته من دون شركة الإضافة إلى الجسم و انفعالاته و
ما من علم غير الحكمة الإلهية و المعارف الربانية إلا و الاحتياج إليه بمدخلية
الجسم و قواه- و مزاولة البدن و هواه و ليس من العلوم ما يتكفل بتكميل جوهر الذات
الإنسية- و إزالة مثالبها و مساويها حين انقطاعها عن الدنيا و ما فيها و الرجوع
إلى حاق حقيقتها- و الإقبال بالكلية إلى باريها و منشئها و موجدها و معطيها إلا
العلوم العقلية المحضة