اسم الکتاب : بداية الحكمة المؤلف : العلامة الطباطبائي الجزء : 1 صفحة : 94
لفاعلها ولا مرتبطة
به ، ومثلوا له بمن يحفر بئرا ، ليصل إلى الماء فيعثر على كنز ، والعثور على الكنز
، ليس غاية لحفر البئر مرتبطة به ، ويسمى هذا النوع من الاتفاق بختا سعيدا ، وبمن
يأوي إلى بيت ليستظل فينهدم عليه فيموت ، ويسمى هذا النوع من الاتفاق بختا شقيا.
وعلى ذلك بنى بعض علماء الطبيعة كينونة
العالم ، فقال إن عالم الأجسام مركبة من أجزاء ، صغار ذرية مبثوثة في خلاء غير
متناه ، وهي دائمة الحركة فاتفق أن تصادمت جملة منها ، فاجتمعت فكانت الأجسام فما
صلح للبقاء بقي ، وما لم يصلح لذلك فنى سريعا أو بطيئا.
والحق أن لا اتفاق في الوجود ، ولنقدم
لتوضيح ذلك مقدمة ، هي أن الأمور الكائنة ، يمكن أن تتصور على وجوه أربعة ، منها
ما هو دائمي الوجود ، ومنها ما هو أكثري الوجود ، ومنها ما يحصل بالتساوي ، كقيام
زيد وقعوده مثلا ، ومنها ما يحصل نادرا وعلى الأقل ، كوجود الإصبع الزائد في
الإنسان.
والأمر الأكثري الوجود يفارق الدائمي
الوجود ، بوجود معارض يعارضه في بعض الأحيان ، كعدد أصابع اليد فإنها خمسة على
الأغلب ، وربما أصابت القوة المصورة للإصبع مادة زائدة صالحة لصورة الإصبع ، فصورتها
إصبعا ومن هنا يعلم ، أن كون الأصابع خمسة مشروط بعدم مادة زائدة ، وأن الأمر بهذا
الشرط دائمي الوجود لا أكثريه ، وأن الأقلي الوجود مع اشتراط المعارض ، المذكور
أيضا دائمي الوجود ، لا أقليه وإذا كان الأكثري والأقلي دائميين بالحقيقة ، فالأمر
في المساوي ظاهر ، فالأمور كلها دائمية الوجود ، جارية على نظام ثابت لا يختلف ولا
يتخلف.
وإذا كان كذلك ، فلو فرض أمر كمالي مترتب
على فعل فاعل ، ترتبا دائميا لا يختلف ولا يتخلف ، حكم العقل حكما ضروريا فطريا
بوجود رابطة وجودية ، بين الأمر الكمالي المذكور وبين فعل الفاعل ، رابطة تقضي
بنوع من الاتحاد الوجودي بينهما ، ينتهي إليه قصد الفاعل لفعله وهذا هو الغاية.
اسم الکتاب : بداية الحكمة المؤلف : العلامة الطباطبائي الجزء : 1 صفحة : 94