بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
اللّه عونك و تيسيرك الحمد للّه حمد الشاكرين و الصلاة على رسوله المصطفى و آله
الطيبين الطاهرين أجمعين أما بعد، فقد أشار إليّ من إشارته غنم و طاعته حتم أن
أجمع له مشكلات الأصول و أحل له ما انعقد من غوامضها على أرباب العقول لحسن ظنه بي
أني وقفت على نهايات النظر و فزت بغايات مطارح الفكر و لعله استسمن ذا ورم و نفخ في
غير ضرم لعمري:
لقد طفت في تلك المعاهد كلها
و سيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعا كف حائر
على ذقن أو قارعا سن نادم
فلكل عقل و نظر مسرى و
مسرح هو سدرة المنتهى و لكل قدم مخطى و مجال هو غايته القصوى إذا وصل إليها و وقف
دونها فيظن الناظر أولا أن ليس وراء مرتبته مطاف لطيف الخاطر و لا فوق درجته مطرح
لشعاع الناظر و يتيقن آخرا أن مطار الأفكار بذات المقدار و جناب العزة لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ [الأنعام:
103]، ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ
[الملك: 4]، لعله أشار إلى الحالتين يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ
الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ [الملك: 4]، لعله أشار
إلى العجز عن الإدراك وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك: 14]، فعليكم بدين العجائز فهو من أسنى الجوائز و إذا كان لا
طريق إلى المطلوب من المعرفة إلا الاستشهاد بالأفعال و لا شهادة للفعل إلا من حيث
احتياج الفطرة و اضطرار الخلقة فحيثما كان العجز أشد كان اليقين أوفر و آكد وَ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ
إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء: 67] لا جرم أَمَّنْ يُجِيبُ
الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ [النمل: 62]، و المعارف
التي تحصل من تعريفات أحوال الاضطرار أشد رسوخا في القلب من المعارف التي هي نتائج
الأفكار في حال الاختيار و من دعاء الأبرار إلهي فكم من بلاء جاهد صرفت عني و كم
من نعمة سابغة أقررت بها عيني و كم من صنيعة كريمة لك عندي أنت الذي أجبت عند
الاضطرار دعوتي و أقلت عند العثار زلتي و أخذت لي من الأعداء بظلامتي الكلمات إلى
آخرها و كان القلم يعبر عن حالتي بأواخرها رَبِّ
أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ