اسم الکتاب : المحجة البيضاء المؤلف : الفيض الكاشاني الجزء : 5 صفحة : 155
الأعضاء عن العبادة.
و قال أبو يزيد: الجوع سحاب فإذا جاع العبد
أمطر القلب الحكمة.
و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
«نور الحكمة الجوع، و البعد من اللّه الشبع، و القربة إلى اللّه حبّ المساكين و
الدّنوّ منهم. لا تشبعوا فينطفي نور المعرفة من قلوبكم و من بات يصلّي في خفّة من
الطعام باتت الحور العين حتى يصبح»[1].
الفائدة الثانية رقّة القلب
و صفاؤه الّذي به يتهيّأ لإدراك لذّة
المناجاة و التأثّر بالذّكر فكم من ذكر يجري على اللّسان مع حضور القلب و لكن
القلب لا يلتذّ به و لا يتأثّر عنه حتى كأنّ بينه و بينه حجابا من قساوة القلب، و
قد يرقّ في بعض الأحوال فيعظم تأثره بالذكر و تلذّذه بالمناجاة، و خلوّ المعدة هو
السبب الأظهر فيه، قال أبو سليمان: أحلى ما تكون إليّ العبادة إذا لصق بطني بظهري.
و قال الجنيد: يجعل أحدهم بينه و بين اللّه
مخلاة من الطعام و يريد أن يجد حلاوة المناجاة.
و قال أبو سليمان: القلب إذا جاع و عطش صفى
و رقّ، فإذا شبع و روى عمي و غلظ، فإذا تأثّر القلب بلذّة المناجاة أمر وراء تيسير
الفكر و اقتناص المعرفة، فهذه فائدة ثانية.
الفائدة الثالثة الانكسار و الذّل و زوال
البطر و الفرح و الأشر
الّذي هو مبدأ الطغيان و الغفلة عن اللّه، و
لا تنكسر النفس و لا تذلّ بشيء كما تذلّ بالجوع فعنده تستكين لربّها و تخشع له و
تقف على عجزها و ذلّها إذ ضعفت منّتها[2] و ضاقت حيلتها بلقيمة طعام فاتتها،
و أظلمت عليها الدّنيا بشربة ماء تأخّرت عنها، و ما لم يشاهد الإنسان ذلّ نفسه و
عجزه لا يرى عزّة مولاه و لا قهره، و إنّما سعادته في
[1] ذكره أبو منصور الديلمي في مسند
الفردوس من حديث أبي هريرة و كتب عليه انه مسند و هي علامة ما رواه بإسناده
(المغني). «أقول: أورده الطبرسي في المكارم ص 171 من كتاب روضة الواعظين للفتال.