اسم الکتاب : المحجة البيضاء المؤلف : الفيض الكاشاني الجزء : 2 صفحة : 260
مثل ذلك، و إنّما ينكشف
للراسخين في العلم من أسراره بقدر غزارة علومهم و صفاء قلوبهم و توفّر دواعيهم على
التدبّر و التجرّد للطلب و يكون لكلّ واحد حدّ في الترقّي إلى درجة منه، فأمّا
الاستيفاء فلا مطمع فيه و لو كان البحر مدادا و الأشجار أقلاما فإنّ أسرار كلمات
اللّه لا نهاية لها فتنفد الأبحر قبل أن تنفد كلمات اللّه فمن هذا الوجه يتفاوت
الخلق في الفهم بعد الاشتراك في معرفة ظاهر التفسير، و ظاهر التفسير لا يغني عنه.
و مثال فهم أرباب القلوب
من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في سجوده: «أعوذ برضاك من سخطك و أعوذ
بمعافاتك من عقوبتك و أعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك»[1] أنّه قيل له:
«وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ»[2] فوجد القرب في السجود فنظر إلى الصفات فاستعاذ ببعضها من بعض،
فإنّ الرّضا و السخط وصفان، ثمّ زاد قربه فاندرج القربان الأوّل فيه فرقى إلى
الذّات و قال: «أعوذ بك منك» ثمّ زاد قربه بما استحيي به عن الاستعاذة على بساط
القرب فالتجأ إلى الثناء فأثنى بقوله: «لا أحصي ثناء عليك» ثمّ علم أنّ ذلك قصور،
فقال: أنت كما أثنيت على نفسك، فهذه خواطر تنفتح لأرباب القلوب ثمّ لها أغوار وراء
هذا و هو فهم معنى القرب و اختصاصه بالسجود و معنى الاستعاذة من صفة بصفة و منه
به، و أسرار ذلك كثيرة و لا يدلّ تفسير ظاهر اللّفظ عليه و ليس هو مناقضا لظاهر
التفسير بل هو استكمال له و وصول إلى لبابة عن ظاهره، فهذا ما نريده بفهم المعاني
الباطنة لا ما يناقض الظاهر و اللّه أعلم».
(فصل) [في عدم تحريف
القرآن]
(1) أقول: المستفاد من
كثير من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السّلام أنّ القرآن الّذي بين أظهرنا
ليس بتمامه كما انزل على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بل منه ما هو خلاف ما
أنزل اللّه و منه ما هو مغيّر محرّف و قد حذف منه أشياء كثيرة منها اسم عليّ عليه
السّلام في كثير من المواضع
[1] أخرجه أبو داود في
كتاب الصلاة باب الدعاء في الركوع و السجود ج 1 ص 203، و أخرجه مسلم ج 2 ص 51، و
الترمذي ج 13 ص 28.