قد ذكرنا حقيقة المعجز،
فأمّا الحيلة فهي إراءة الغير لغيره أمرا في الظاهر على وجه لا يكون عليه مع إخفاء
وجه الالتباس فيه. نحو أن يري صاحب الحيلة و يخيّل إلى الناظر أنّه ذبح حيوانا
بخفّة حركاته و لا يذبحه في الحقيقة، ثمّ يري من بعد أنّه أحياه. و هذا الجنس من
الحيل هو السحر عند المحققين، و معجزات الأنبياء عليهم السلام ليست من هذا الجنس،
بل جميع ما أتوا به كانت على ما أتوا به و لم يكن فيها تلبيس و تمويه. و هذا ظاهر
فيما لا يدخل جنسه تحت مقدور العباد، كقلب العصا ثعبانا، و فلق البحر بحيث يصير
كلّ فرق كالطود العظيم، و إحياء ميّت متقادم العهد و بقائه حيّا حتّى يولد له، و
إبراء الأكمه حتّى يصير مبصرا، إذا لا يتصوّر في مثل هذه الامور حيلة و تلبيس. و
لهذا ذكر شيوخ أهل العدل أنّ العقلاء يعلمون باضطرار أنّ هذه الامور ليس فيها وجه
حيلة، و كذا ليس في القرآن في مثل بلاغته و فصاحته وجه حيلة.
قالوا: هذا أيضا ممّا يعلم
ضرورة و إن علم كونه معجزا استدلالا و على هذا قال تعالى في قوم فرعون و ما عاينوه
من معجزات موسى عليه السلام و إنكارهم لها ظاهرا:
«وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا»[1].