فعل ذلك الفعل لمكان ذلك
الداعي، فإذا انصرف من فعل لمكان صارف يصرفه منه فانّه يجد من نفسه أنّه إنّما
انصرف عنه لأجل ذلك الصارف. بيان ذلك: أنّ أحدنا إذا فعل فعلا لابتغاء نفع وجد من
نفسه أنّه إنما فعل ذلك لابتغاء ذلك النفع، و إذا انصرف عن فعل خوفا من ضرر يلحقه
من فعله وجد أيضا من نفسه أنه إنّما انصرف عنه لأجل ذلك الخوف، فلو كان أداؤنا
للواجبات العقليّة و اجتنابنا عن مقبحاتها لعلمنا بأداء هذه الشرعيّات لوجدنا ذلك
من أنفسنا و معلوم أنّا لا نجد ذلك من أنفسنا.
قلنا: الداعي ربما كان
ظاهرا مكشوفا كما ذكره السائل، و ربما كان غامضا ملتبسا فيعلم بضرب من الاستدلال
أنّه فعل الفعل لمكانه. بيان ذلك أنّ المخير بين الصدق و الكذب مع علمه بحسن الصدق
و قبح الكذب و استغنائه بالصدق عن الكذب، فانّه لا يختار إلّا الصدق و إنّما
يختاره لعلمه بحسنه و هذا يعلم بضرب من الاستدلال. و كذا أحدنا يرشد الضالّ لعلمه
بحسنه و هذا أيضا يعلم بضرب من الاستدلال.
فإن قيل: إنّما يلتبس
الحال في ذلك على الغير، و أمّا القادر الفاعل الذي يفعل الفعل للداعي، فانّه
يلتبس عليه الداعي الذي لأجله يفعل.
قلنا: و قد يلتبس أيضا على
الفاعل نفسه مهما انضمّ داعي الحاجة إلى داعي الحكمة، حتى يظنّ أنّه فعل الفعل
لأجلهما أو لأجل داعي الحاجة فحسب، و إنّما يعلم بدليل أنّه فعل ما فعله لداعي
الحكمة.
[الكلام في إمكان
البعثة]
فإن قيل: الكلام في حسن
البعثة يبنى على الكلام في امكان البعثة و كيفيّتها فبيّنوه و ذلك لأنّ الذي
نقلناه[1] من البعثة في الشاهد لا يتأتى في حقّ
القديم تعالى، إذ الملك يشاهد فيراه الرسول و يعلم كلامه و يضطرّ إلى قصده