و إن كان سبب الغلاء من
اللّه تعالى بأن يقلّل الرّيع و يكثّر الخلق المحتاجون[1] أو يقوى رغبات الناس في الأطعمة و شهواتهم لها، أو يقلّل الأمطار،
أو يتلف الأقوات بنوع من الآفات السماويّة، فذلك الغلاء منه تعالى، فعله للمصلحة،
و العوض في ذلك عليه، فيجب الصبر عند ذلك، و الكفّ عن الشكوى و الجزع، و ربما
يفعله عقوبة في حقّ من يستحقّها.
و متى كان سبب الرّخص
إكراه الظّلمة على بيع الشيء بأقلّ ممّا يساويّ فذلك ليس من اللّه، بل هو من
الظلمة، و هو جور و ظلم.
و إن كان الرّخص بسبب أنّ
الولاة و الأمراء و الحكّام يؤمّنون السبيل و يمنعون قطاع الطريق و السرّاق من
التعدّي و الغصب، و يرغبون التجّار في جلب الأمتعة باللطف دون العنف، أو يبيعون ما
عندهم من الأمتعة بثمن ناقص، فذلك الرّخص يكون أيضا مضافا إليهم و يكونون بذلك
منعمين مستحقّين للشكر من الرعايا، إن قصدوا بذلك الإحسان إليهم.
و متى كان سبب الرّخص من
اللّه تعالى بأن يكثّر خلق الأطعمة أو يقلّل عدد المحتاجين إليها و يضعّف رغبات
الناس إليها و شهواتهم لها، فذلك الرّخص منه تعالى، و هو حكمة و صواب، و يجب علينا
الشكر عليه. و من الجائز أن يكون ذلك لطفا.
و لمّا تكلّمنا في الألطاف
التي هي من جهته تعالى، فلنتكلّم فيما يكون من فعل العباد من ألطافهم و نقول:
الألطاف التي هي من فعلنا تنقسم إلى ما نعلم بعقولنا كونه لطفا كالشرعيّات، و ما
نعلمه بالشرع لا كونه لطفا، كمعارف التوحيد و العدل، فنستغني في علمنا بوجوب ذلك
علينا من الشرع، و إلى ما لا