اعلم أنّ شروط حسن التكليف
تنقسم إلى أربعة أقسام. فقسم منها يرجع إلى التكليف نفسه، و قسم يرجع إلى ما
تناوله التكليف، و قسم يرجع إلى المكلّف، و قسم يرجع إلى المكلّف تعالى، و قد تتداخل
هذه الأقسام بعضها في بعض، لتعلق البعض بالبعض و ارتباط به.
أمّا القسم الأوّل و هو الراجع إلى المكلّف لتكليف نفسه فشرطان اثنان، أحدهما أن لا
يكون التكليف مفسدة لأنّ المفسدة قبيح.
فإن قيل: أ ليس التكليف
تمكينا للمكلّف من استحقاق الثواب و العقاب بامتثال ما كلّف إقداما و إحجاما؟ و
المفسدة لا تكون تمكينا، و لهذا يراعى في حدّها أن لا يكون تمكينا بأن يقال:
المفسدة ما يقع عنده الفساد و لو لاه ما كان يقع و لا يكون تمكينا و لا له حظّ في
التمكين، فكيف يتصوّر أن يكون التكليف مفسدة حتّى تشترطوا في حسنه أن لا تكون مفسدة؟
أ و لستم أجبتم عن قول من قال- تكليف من علم اللّه من حاله أنّه يكفر قبيح من حيث
انّه مفسدة- بما ذكرناه. و هو أن تكليفه تمكين له من أن يجعل نفسه مستحقّا للثواب
و العقاب، و التمكين لا يكون مفسدة.
قلنا: بلى، التكليف تمكن
من استحقاق الثواب و العقاب، و لكن بامتثال ما كلّف، فهو تمكين بالنسبة إليه، فلا
تكون مفسدة فيه، و لكنّه ليس