و أمّا الثاني- و هو تجدّد
هذه الامور و حدوثها- فالأمر ظاهر في حدوث ما يتجدّد على الأجسام التي نتصرّف نحن
فيها، فإنّا نسكّنها بعد أن كانت متحرّكة، و نحرّكها بعد أن كانت ساكنة، و نجمع
بين بعضها و بعض بعد أن كانت مفترقة، و نفرّق بين بعضها و بعض بعد أن كانت مجتمعة،
فنعلم ضرورة نجدّد هذه الامور فيما نتصرّف نحن فيه و إنّما الاشتباه في الامور
التي تثبت للأجسام الغائبة عنّا بأن يقول قائل: هلّا كانت تلك الأجسام ساكنة لم
يزل فما تحرّكت، او مجتمعة فما افترقت، أو مفترقة فما اجتمعت، أو نقول فيما نتصرّف
فيه: أنّها كانت ساكنة لم يزل فحرّكناها، أو مجتمعة ففرّقناها، أو مفترقة
فجمعناها.
و الذي يدلّ على حدوث جميع
هذه الامور أنّ هذه الامور جائزة الوجود بذواتها، و إذا كانت جائزة الوجود بذواتها
فلا توجد إلّا بمؤثّر، إمّا موجب أو مختار و الموجب إمّا أن يكون قديما أو محدثا،
و باطل أن يكون موجبا قديما، فلم يبق إلّا أن يكون إمّا مختارا أو موجبا محدثا و
أيّهما ثبت ثبت حدوث هذه الامور لأنّ الحاصل بالمحدث لا يكون الّا محدثا. و كذلك
الذي يوجده الفاعل لا يكون إلّا محدثا.
فإن قيل: لم قلتم إنّ هذه
الأعراض جائزة الوجود بذواتها؟
قلنا: لأنّها لو لم تكن
جائزة الوجود بذواتها لكانت واجبة الوجود بذواتها، و لا ثالث في حقّ هذه الأعراض،
لأنّ الثالث إنّما هو الاستحالة و الثابت لا يكون مستحيلا فتعيّن فيه أحد القسمين
الجواز و الوجوب، فإذا بطل الوجوب لم يبق إلّا الجواز.
فإن قيل: لم قلتم إنّه لا
قسمة وراء الوجوب و الجواز و الاستحالة؟.