القول في أنّه تعالى لا
يعذّب بغير جريمة و لا يعذّب أطفال المشركين بذنوب آبائهم و أمّهاتهم
لمّا ذهبت المجبّرة إلى
أنّ تصرّفات العباد طاعاتها و معاصيها- مخلوقة من جهته تبارك و تعالى واقعة بقضائه
و قدره و أنّها مرادة للّه تعالى و أنّه لا يقبح منه تعالى شيء من حيث انّه ليس
تحت رسم و أمر و نهى، و القبيح إنّما يقبّح لتعلّق نهي المالك به؛ فرّعوا على هذه
المذاهب أنّه يحسن منه تعالى أن يخلق حيوانا ابتداء في النار يعذّبه فيها من غير
جريمة، و أنّه يحسن منه أنّ يعذّب أطفال المشركين بذنوب آبائهم و أمهاتهم، و قد
قطعوا على أنّه سيعذّبهم.
و هذا من أفحش ما يذهب
إليه ذاهب و أشنعه و أقبحه، و ذلك لأنّ ايلام الغير من دون استحقاق و سبق جريمة
منه ظلم إذا لم يكن فيه نفع موفي عليه أو دفع ضرر أعظم منه، و لم يكن كأنّه من قبل
غير فاعله و قبح الفعل معلوم ضرورة.
و فيه وجه آخر من وجوه
القبح، و هو أنّه عبث، إذ ليس في تعذيب الطفل في الآخرة و إيلامه غرض المثل، بخلاف
ما نقوله في إيلامهم في الدنيا، لأنّ في ذلك مصلحة للمكلّفين، و اللّه تعالى
يعوّضهم على ذلك أعواضا عظيمة موفية عليها، فلا يكون ظلما و لا عبثا، فأمّا في
الآخرة فلا تكليف حتى يقال: تعذيبهم لطف للمكلّفين، مع أنّ القوم يجوّزون ذلك من
دون اعتبار غرض ما فيه.
و قد ورد السمع مؤكّدا
للعقل في هذا الباب، قال اللّه تعالى: «وَ لا تَزِرُ
وازِرَةٌ