الغنيّ هو الحيّ الذي ليس
بمحتاج، و قد بيّنا أنّه تعالى حيّ. بقي أن ندلّ على أنّه تعالى لا يحتاج.
و اعلم أنّ الحاجة تنقسم
قسمين.
أحدهما: احتياج الشيء في ثبوته إلى شيء آخر من مؤثّر أو شرط، كاحتياج
العلم إلى الحياة، و الأعراض إلى محالّها، و المحدث إلى المحدث، و الموجب إلى
الموجب؛ أو في صفة من صفاته كاحتياج الواحد منّا في كونه قادرا عالما إلى امور
زائدة على ذاته.
و ثانيهما: الاحتياج إلى جرّ نفع أو دفع ضرر.
و قد قيل إنّ هذه الحاجة
أيضا ترجع إلى معنى الحاجة الأولى من حيث إنّ المحتاج إلى المنافع إنّما يحتاج
إليها ليصلح جسمه بها و ينمو، و إنّما يحتاج إلى دفع المضارّ عن نفسه، لكيلا يفسد
و لا يهلك. و هذا إشارة إلى أنّه في بقائه حيّا يحتاج إلى الغذاء، فيؤول إلى معنى
الحاجة الأولى. و على هذا قد استدلّ بعض من نفى الحاجة عنه تبارك و تعالى: بما
معناه ما ذكرناه.
أمّا الذي يدلّ على انتفاء
الحاجة منه بالمعنى الأوّل، فهو ما قد دللنا به على أنّه تعالى واجب الوجود بذاته
غير مفتقر في وجوده إلى مؤثّر أو شرط، و على أنّه يستحقّ صفاته تبارك و تعالى
لذاته و أنّ اتّصافه بها لا يتوقّف على أمر زائد وراء