القديم جلّ جلاله منزّه عن
شبه المحدثات بأسرها، جواهرها و أجسامها و أعراضها. و الدليل على أنّه تعالى ليس
بجسم و لا يشبه الأجسام هو انّه لو كان جسما لوجب أن يكون محدثا، لأنّ ما دلّ على
حدوث الجسم مطرد في سائر الأجسام من استحالة خلوّه من الحوادث، على ما ذكرنا القول
فيه فيما سبق من هذا الكتاب، و قد ثبت أنّه تبارك و تعالى قديم فلا يجوز أن يكون
جسما.
فإن قيل: الدلالة الّتي
استدللتم بها على حدوث الجسم مبنيّة على صحّة تنقّل الجسم في الجهات، فلم لا يجوز
أن يقال: القديم تعالى و إن كان جسما- تعالى عن ذلك- فإنّه يختصّ بجهة معيّنة يجب
كونه فيها و يستحيل انتقاله عنها، فلا تثبت فيه دلالة الحدوث.
إن قلتم: إنّما يصحّ
التنقّل عن الأجسام المشاهد لتحيّزها. فلو كان تعالى جسما لكان لا بدّ من أن يكون
متحيّزا و تحيّزه يصحّ تنقله في الجهات كلّها.
قيل لكم: كما أنّ التحيّز
يصحّح تنقّل موصوفه في الجهات، كذلك كونه حيّا يصحّح تعاقب الصفات المتضادّة
المتعاقبة عليه من كونه عالما و كونه جاهلا و كونه قادرا و كونه عاجزا.
ثمّ قلتم إنّه تبارك و
تعالى حيّ يجب كونه عالما فيستحيل عليه كونه