فمنها، أنهما أثبتا إرادات
حادثة لا في محل، يكون الباري تعالى بها موصوفا مريدا. و تعظيما لا في محل إذا
أراد أن يعظم ذاته، و فناء لا في محل إذا أراد أن يفنى العالم، و أخص أوصاف هذه
الصفات يرجع إليه من حيث إنه تعالى أيضا لا في محل، و إثبات موجودات هي أعراض، أو
في حكم الأعراض لا محل لها كإثبات موجودات هي جواهر، أو في حكم الجواهر لا مكان
لها، و ذلك قريب من مذهب الفلاسفة حيث أثبتوا عقلا هو جوهر لا في محل و لا في
مكان، و كذلك النفس الكلية[1]، و العقول المفارقة[2].
و منها: أنهما حكما بكونه
تعالى متكلما بكلام يخلقه في محل، و حقيقة الكلام عندهما أصوات مقطعة، و حروف
منظومة، و المتكلم من فعل الكلام، لا من قام به الكلام، إلا أن الجبائي خالف
أصحابه خصوصا بقوله: يحدث اللّه تعالى عند قراءة كل قارئ كلاما لنفسه في محل
القراءة، و ذلك حين ألزم أن الذي يقرؤه القارئ ليس بكلام اللّه. و المسموع منه ليس
من كلام اللّه، فالتزم هذا المحال من إثبات أمر غير معقول و لا مسموع، و هو إثبات
كلامين في محل واحد.
و اتفقا على نفي رؤية
اللّه تعالى بالأبصار في دار القرار، و على القول بإثبات الفعل للعبد خلقا و
إبداعا، و إضافة الخير و الشر، و الطاعة و المعصية إليه استقلالا و استبدادا، و أن
الاستطاعة قبل الفعل، و هي قدرة زائدة على سلامة البنية و صحة الجوارح، و أثبتا
البنية شرطا في قيام المعاني التي يشترط في ثبوتها الحياة.
و اتفقا على أن المعرفة و
شكر المنعم و معرفة الحسن و القبح واجبات عقلية، و أثبتا شريعة عقلية و ردّا
الشريعة النبوية إلى مقدرات الأحكام و مؤقتات الطاعات التي
[2] العقول المفارقة
عشرة: تسع منها مدبرات النفوس التسعة المزاولة، و واحد هو العقل الفعّال. و لكل
كرة متحركة محرك مفارق غير متناهي القوة، يحرك كما يحرك المشتهي و المعشوق.
فالمحركات المفارقة تحرك على أنها مشتهاة، و المحركات المزاولة تحرك على أنها
مشتهية عاشقة. (راجع موسوعة الفلسفة ص 72- 74).