و المصنفين لهم. و قد طالع
كثيرا من كتب الفلاسفة، و خلط و روّج كثيرا من مقالاتهم بعباراته البليغة، و حسن
براعته اللطيفة. و كان في أيام المعتصم و المتوكل، و انفرد عن أصحابه بمسائل:
منها قوله: إن المعارف
كلها ضرورية طباع، و ليس شيء من ذلك من أفعال العباد. و ليس للعبد كسب سوى
الإرادة، و تحصل أفعاله منه طباعا[1] كما قال ثمامة، و نقل عنه أيضا أنه أنكر أصل الإرادة و كونها جنسا
من الأعراض فقال: إذا انتفى السهو عن الفاعل، و كان عالما بما يفعله فهو المريد
على التحقيق، و أما الإرادة المتعلقة بفعل الغير فهو ميل النفس إليه، و زاد على
ذلك بإثبات الطبائع للأجسام كما قال الطبيعيون من الفلاسفة و أثبت لها أفعالا
مخصوصة بها، و قال باستحالة عدم الجواهر؛ فالأعراض تتبدل، و الجواهر لا يجوز أن
تفنى.
و منها قوله: في أهل النار
إنهم لا يخلدون فيها عذابا، بل يصيرون إلى طبيعة النار. و كان يقول النار تجذب
أهلها إلى نفسها من غير أن يدخل أحد فيها، و مذهبه مذهب الفلاسفة في نفي الصفات، و
في إثبات القدر خيره و شره من العبد مذهب المعتزلة. و حكى الكعبي عنه أنه قال:
يوصف الباري تعالى بأنه مريد بمعنى أنه لا يصح عليه السهو في أفعاله، و لا الجهل و
لا يجوز أن يغلب و يقهر.
و قال إن الخلق كلهم من
العقلاء عالمون بأن اللّه تعالى خالقهم، و عارفون بأنهم محتاجون إلى النبي، و هم
محجوجون بمعرفتهم، ثم هم صنفان: عالم بالتوحيد، و جاهل به فالجاهل معذور، و العالم
محجوج. و من انتحل دين الإسلام، فإن اعتقد أن اللّه تعالى ليس بجسم و لا صورة، و
لا يرى بالأبصار، و هو عدل لا يجوز، و لا يريد المعاصي، و بعد الاعتقاد و اليقين
أقر بذلك كله، فهو مسلم حقا،
[1] إذا كانت أفعاله
طباعا لا كسبا لزم أن لا يكون له عليها ثواب و لا عقاب إذ لا يثاب و لا يعاقب على
ما لا يكون كسبا له، كما لا يثاب و لا يعاقب على لونه و تركيب بدنه إذ لم يكن ذلك
من كسبه، و هذا يخالف قوله تعالى: كُلُّ امْرِئٍ بِما
كَسَبَ رَهِينٌ.