إحداثه فهي خلقه له، و هي
قبل الخلق لأن ما به يكون الشيء لا يجوز أن يكون معه. و إن أراد بها فعل عباده
فهي الأمر به.
الخامسة: قال: إن عند
اللّه تعالى لطفا[1] لو أتى به لآمن جميع من في الأرض
إيمانا يستحقون عليه الثواب، استحقاقهم لو آمنوا من غير وجوده و أكثر منه.
و ليس على اللّه تعالى أن
يفعل ذلك بعباده و لا يجب عليه رعاية الأصلح لأنه لا غاية لما يقدر عليه من
الصلاح، فما من أصلح إلا و فوقه أصلح، و إنما عليه أن يمكن العبد بالقدرة و
الاستطاعة و يزيح العلل بالدعوة و الرسالة؛ و المفكر قبل ورود السمع يعلم الباري
تعالى بالنظر و الاستدلال، و إذا كان مختارا في فعله فيستغنى عن الخاطرين لأن
الخاطرين لا يكونان من قبل اللّه تعالى، و إنما هما من قبل الشيطان، و المفكر
الأول لم يتقدمه شيطان يخطر الشك بباله، و لو تقدم فالكلام في الشيطان كالكلام
فيه.
السادسة: قال: من تاب عن
كبيرة ثم راجعها عاد استحقاقه العقوبة الأولى، فإنه قبل توبته بشرط أن لا يعود[2].
أصحاب معمّر[4] بن عباد السلمي، و هو من أعظم القدرية
فرية في تدقيق
[1] «قال بشر: إن ما
يقدر اللّه عليه من اللطف لا غاية له و لا نهاية. و عند اللّه من اللطف ما هو أصلح
ممّا فعل و لم يفعله. و لو فعله بالخلق آمنوا طوعا لا كرها. و قد فعل بهم لطفا
يقدرون به على ما كلفهم.
و قد خالفه المعتزلة
كلهم كما ذكر الأشعري. (راجع مقالات الإسلاميين 1: 574).
[2] هذا منه قول بخلاف
إجماع المسلمين لأن المعتزلة و إن قالوا بمنزلة بين المنزلتين و إن الفاسق يخلد في
النار فإنهم لا يقولون أنه يعاقب في النار على ما تاب منه من الذنوب و الأفعال.
(راجع التبصير ص 46).
[3] انظر في شأن هذه
الفرقة: «التبصير» ص 45 «و الفرق بين الفرق» ص 151.
[4] هو أبو عمرو: معمر
بن عباد السلمي. قال ابن المرتضى: كان عالما عدلا و تفرد بمذاهب، و كان بشر بن
المعتمر و هشام بن عمرو و أبو الحسن المدائني من تلامذته، ثم حكى أن الرشيد وجه به
إلى ملك السند ليناظره، و أن ملك السند دسّ له من سمّه في الطريق فمات، توفي سنة
215 ه/ 830 م. (راجع خطط المقريزي 2: 347 و لسان الميزان 6: 71).