لا تضامون في رؤيته» على
رؤية العقل الأول الذي هو أول مبدع، و هو العقل الفعال الذي منه تفيض الصور على
الموجودات. و إياه عنى النبي عليه الصلاة و السلام بقوله: «أوّل ما خلق اللّه
تعالى العقل، فقال له: أقبل، فأقبل. ثمّ قال له: أدبر، فأدبر. فقال: و عزّتي و
جلالي ما خلقت خلقا أحسن منك، بك أعزّ، و بك أذلّ، و بك أعطي، و بك أمنع» فهو الذي
يظهر يوم القيامة و ترتفع الحجب بينه و بين الصور التي فاضت منه، فيرونه كمثل
القمر ليلة البدر. فأما واهب العقل فلا يرى البتة، و لا يشبّه إلا مبدع بمبدع.
و قال ابن خابط: إن كل نوع
من أنواع الحيوانات أمة على حيالها لقوله تعالى:
وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا
أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ[1]
و في كل أمة رسول من نوعه لقوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ
أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ[2].
و لهما طريقة أخرى في
التناسخ، و كأنهما مزجا كلام التناسخية، و الفلاسفة، و المعتزلة بعضها[3] ببعض.
[3] قالا: إن اللّه خلق
الخلق في أبدان صحيحة و عقول تامة في دار ليست دار الدنيا، و خلق لهم معرفته و
أتمّ عليهم نعمته و أمرهم بشكره. و الإنسان هو الروح لا قالبه المشاهد، و الروح
عالم قادر و الحيوان كلّه جنس واحد و جميعها في محل التكليف فمن أطاعه أقرّه و من
عصاه أخرجه إلى النار، و من عصاه، في البعض و أطاعه في البعض بعثه إلى دار الدنيا
و ألبسه هذه القوالب، و ابتلاه تارة بالشدّة و تارة بالراحة و تارة بالألم و تارة
باللذة، و جعل قوما في صورة الناس وقوفا في صورة الطيور، وقوفا في صورة السباع،
وقوفا في صورة الدواب، وقوفا في صورة الحشرات و درجاتهم على قدر معاصيهم. فمن كانت
معصيته أقلّ فصورته في الدنيا أحسن أو أكثر. فقالب روحه أقبح، و الروح لا يزال في
دنياه ينتقل من قالب إلى قالب على قدر طاعته أو معصيته، من قوالب الناس و الدواب
حتى تتمخّض طاعاته فينتقل إلى دار النعيم، أو معاصيه، فإلى دار الجحيم. (راجع
التبصير ص 80 و 81 و الفرق بين الفرق طبعة دار المعرفة ص 274 و 275).