أصحاب أبي الهذيل حمدان بن
الهذيل العلاف، شيخ المعتزلة، و مقدم الطائفة، و مقرر الطريقة، و المناظر عليها.
أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل، عن واصل بن عطاء. و يقال أخذ واصل عن أبي
هاشم عبد اللّه بن محمد بن الحنفية. و يقال أخذه عن أبي الحسن بن أبي الحسن
البصري. و إنما انفرد عن أصحابه بعشر قواعد:
الأولى: أن الباري تعالى
عالم بعلم، و علمه ذاته[1].
قادر بقدرة، و قدرته ذاته.
حيّ بحياة، و حياته ذاته.
و إنما اقتبس هذا الرأي من الفلاسفة الذين اعتقدوا أن ذاته واحدة لا كثرة فيها
بوجه، و إنما الصفات ليست وراء الذات معاني قائمة بذاته، بل هي ذاته، و ترجع إلى السلوب[2] أو اللوازم[3] كما سيأتي.
و الفرق بين قول القائل:
عالم بذاته لا بعلم، و بين قول القائل: عالم بعلم هو ذاته أن الأول نفى الصفة، و
الثاني إثبات ذات هو بعينه صفة. أو إثبات صفة هي بعينها ذات. و إذا أثبت أبو
الهذيل هذه الصفات وجوها للذات، فهي بعينها أقانيم النصارى، أو أحوال[4] أبي هاشم.
- بين واصل و عمرو و هو
أن الأول كان مشهورا بالجدل العقلي و القدرة على الكلام، أما عمرو فيظهر أن شهرته
برواية الحديث رغم طعن المحدثين في أمانته- كانت أكثر من شهرته بالعلوم العقلية و
الجدل فيها. و لكن مع هذا فإن واصل كان يتمسك بالنصوص أكثر من عمرو الذي كان يحب
التحرر منها و لا يتورّع عن أن يخطّئ صحابيا أو ينقد آخر و يردّ روايته. قال
الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 12: 176: «إن معاذ بن معاذ قال: قلت لعمرو بن
عبيد: كيف حديث الحسن إن عثمان ورث امرأة عبد الرحمن بعد انقضاء العدّة؟ فقال: إن
عثمان لم يكن صاحب سنّة». كان عمرو واعظا مؤثرا أكثر من زميله واصل. فبقدر ما كان
الثاني جدلا كان الأول واعظا. و يظهر أنه كانت له شهرة في البصرة أكثر من زميله
واصل».
[1] راجع «مقالات
الإسلاميين» لأبي الحسن الأشعري 2: 482.
[2] السلوب جمل سلب و
هو انتزاع النسبة. (راجع دستور العلماء 2: 178).
[3] اللازم: ما يمتنع
انفكاكه عن الشيء و هو نوعان: لازم الماهية و لازم الوجود.
[4] راجع «الفرق بين
الفرق» فقد جاء فيه ص 117: (... فأثبت الحال في ثلاثة مواضع:
أحدها: الموصوف الذي
يكون موصوفا لنفسه، فاستحقّ ذلك الوصف لحال كان عليها.