و منه تكون الحركة و
الحياة. و الظلام: ميت، جاهل، عاجز، جماد، موات، لا فعل له و لا تمييز و زعموا أن
الشر يقع منه طباعا و خرقا. و زعموا أن النور جنس واحد، و كذلك الظلام جنس واحد، و
أن إدراك النور إدراك متفق، فإن سمعه و بصره و سائر حواسه شيء واحد. فسمعه هو بصره،
و بصره هو حواسه. و إنما قيل سميع بصير لاختلاف التركيب؛ لا لأنهما في نفسهما
شيئان مختلفان. و زعموا أن اللون هو الطعم، و هو الرائحة، و هو المحسة، و إنما
وجدوه لونا لأن الظلمة خالطته ضربا من المخالطة، و وجده طعما لأنها خالطته بخلاف
ذلك الضرب، و كذلك القول في لون الظلمة و طعمها و رائحتها و محستها. و زعموا أن
النور بياض كله، و أن الظلام سواد كله، و زعموا أن النور لم يزل يلقي الظلمة بأسفل
صفحة منه، و أن الظلمة لم تزل تلقاه بأعلى صفحة منها.
و اختلفوا في المزاج و
الخلاص، فزعم بعضهم أن النور داخل الظلمة، و الظلمة تلقاه بخشونة و غلظ، فتأذى
بها، و أحب أن يرققها و يلينها، ثم يتخلص منها، و ليس ذلك لاختلاف جنسهما، و لكن
كما أن المنشار جنسه حديد، و صفحته لينة، و أسنانه خشنة؛ فاللين في النور، و
الخشونة في الظلمة، و هما جنس واحد، فتلطف النور بلينه حتى يدخل تلك الفرج، فما
أمكنه إلا بتلك الخشونة، فلا يتصور الوصول إلى كمال وجود إلا بلين و خشونة.
و قال بعضهم: بل الظلام
لما احتال حتى تشبث بالنور من أسفل صفحته، فاجتهد النور حتى يتخلص منه و يدفعه عن
نفسه، فاعتمد عليه فلجج فيه، و ذلك بمنزلة الإنسان الذي يريد الخروج من وحل وقع فيه،
فيعتمد على رجله ليخرج فيزداد لجوجا فيه، فاحتاج النور إلى زمان ليعالج التخلص منه
و التفرد بعالمه.
و قال بعضهم: إن النور
إنما دخل أجزاء الظلام اختيارا ليصلحها و يستخرج منها أجزاء صالحة لعالمه. فلما
دخل تشبثت به زمانا فصار يفعل الجور و القبيح اضطرارا لا اختيارا، و لو انفرد في
عالمه ما كان يحصل منه إلا الخير المحض، و الحسن البحت. و فرق بين الفعل
الاضطراري، و بين الفعل الاختياري.