responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد المؤلف : الجویني، عبد الملك    الجزء : 1  صفحة : 149

فأما جواز الإعادة فالعقل يدل عليه، و يدل عليه السمع أيضا، كما ذكرنا في صدر السمعيات.

و كل حادث عدم فإعادته جائزة، و لا فصل بين أن يكون جوهرا أو عرضا.

و ذهب بعض أصحابنا إلى أن الأعراض لا تعاد، بناء على أن المعاد معاد لمعنى، فلو أعيد العرض لقام به معنى. و هذا لا أصل له عند المحققين؛ فإن الإعادة بمثابة النشأة الأولى، و ليس المعاد معادا لمعنى.

و جوزت المعتزلة إعادة الجواهر إذا عدمت، و قسموا الأعراض إلى ما يبقى و إلى ما لا يبقى، و قالوا: ما لا يبقى منها كالأصوات و الإرادات فلا يجوز إعادتها، و كل عرض يستحيل بقاؤه يختص عندهم بوقت لا يجوز تقدير تقدمه عليه، و لا تقدير استيخاره عنه. و أما الباقي من الأعراض، فمنقسم إلى ما كان مقدورا للعبد، و إلى ما لم يكن مقدورا له؛ فأما ما كان مقدورا للعبد، فلا يجوز من العبد إعادته، و لا يصح من القديم أيضا إعادته عندهم. و أما ما لم تتعلق به قدرة العبد، و هو باق من الأعراض، فتجوز إعادته.

فإن سئلنا الدليل على جواز الإعادة استثرناه من نص الكتاب، و فحوى الخطاب، و شبهنا الإعادة بالنشأة الأولى، كما قال تعالى ردا على منكري البعث: قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ‌.

و وجه تحرير الدليل أنا لا نقدر الإعادة مخالفة للنشأة الأولى على الضرورة، و لو قدرناها مثلا لها لقضى العقل بتجويزها، فإن ما جاز وجوده جاز مثله، إذ من حكم المثلين أن يتساويا في الواجب و الجائز.

و هذا توسع في الكلام، فإن الإعادة هي المعاد، و المعاد هو بعينه المخلوق أولا، فكيف يقدر الشي‌ء خلافا لنفسه! و الدلالة تعتضد بأن الأوقات التي هي مقارنة موجودات لموجودات لا أثر لها.

فما فرض وجوده في وقت لم يمتنع تقديره في غيره.

و هذا لا يستقيم للمعتزلة مع خرمهم أصل الإعادة بمنعها فيما لا يبقى من الأعراض، بأن قالوا: إنما منعنا إعادة ما لا يبقى من الأعراض؛ لأنه لو عاد، و قد سبق له الوجود، لكان موجودا في وقتين؛ و لو جاز وجوده، في وقتين يتخللهما عدم، لجاز وجوده في وقتين متواليين. و هذا الذي ذكروه اقتصار على الدعوى المحضة، و هم بالجمع بينهما مطالبون.

ثم لو استمر الوجود في وقتين، لا تصف العرض بكونه باقيا، و لو بقي العرض كذلك لاستحال عدمه، و ليس كذلك إذا وجد العرض في وقتين بينهما عدم. فإن في كل وقت حادث غير مستمر، و هو مقدور عندنا في حالتي الخلق و الإعادة، و إن كان يمتنع كون الباري مقدورا. ثم يلزمهم إعادة مقدور العبد، فلا يجدون في الانفصال وجها مغنيا، كما ذكرناه في خلق الأعمال، فهذا كلام في جواز الإعادة.

 

الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد 150 باب الإعادة

 

اسم الکتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد المؤلف : الجویني، عبد الملك    الجزء : 1  صفحة : 149
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست