responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد المؤلف : الجویني، عبد الملك    الجزء : 1  صفحة : 138

منزلة تخصيص صيغة عامة، و المخصص من الصيغة العامة غير مراد بها، و نحن نلزم المعتزلة و من انتمى إلينا فصلين على موجب أصلين.

فنقول للمعتزلة: من أصلكم أن تأخير البيان عن مورد الخطاب إلى وقت الحاجة غير سائغ، فلو كان النسخ تبيينا له، لما استأخر عن اللفظ الوارد أولا، كما لا يستأخر التخصيص عندهم عن اللفظة العامة لو جردت عن مخصصها، و لا محيص لهم عن ذلك.

و نقول للمنتمين إلينا: قد علمتم مصيرنا إلى جواز نسخ العبادة المفروضة قبل مضي وقت يسعها، و يستحيل مع المصير إلى ذلك القول بأن النسخ تبيين لانقطاع وقت العبادة، إذ يستحيل أن يقدر للعبادة وقت لا يسعها. ثم إبراهيم صلى اللّه عليه و سلّم، مأمور عندنا و عند أصحابنا بالذبح أولا، و نسخ ذلك عنه آخرا، و عين المأمور به هو الذبح، و لم يكن أفعالا تمتد و تتعدد، حتى يصرف الأمر إلى الشي‌ء، و النسخ إلى غيره.

و إذا صرف النسخ إلى عين المأمور به، كان رفعا للحكم على التحقيق؛ فإذا استبان ذلك رددنا على اليهود المنكرين للنسخ، و قلنا: ليس بين الجواز و الاستحالة رتبة معقولة، و وجوه الاستحالة مضبوطة فرب شي‌ء يستحيل لنفسه، كانقلاب الأجناس، و اجتماع الضدين، و الأمر بما نهى عنه ليس مما يستحيل لنفسه، فإن تصويره ممكن، لا استحالة فيه؛ فإذا لم يستحل لنفسه، امتنع صرف استحالته إلى غيره، إذ ليس في تجويزه خروج صفة من صفات الإلهية عن حقيقتها؛ فإن الحكم ليس بصفة للفعل نفسية كما قدرناه، و ليس في تقدير النسخ ما يفضي إلى تغير العلم و الإرادة، و لا يزال السبر يطرد حتى يستبين أن النسخ لا يستحيل لنفسه، و لا يفضي إلى استحالة في غيره.

فإن قالوا: بم تنكرون على من يزعم أنه يستحيل لإفضائه إلى اتصاف الباري تعالى بالبداء، و هو متقدس عنه؟ قلنا: البداء يعبر عن استفادة علم ما لم يكن، و من أحاط بما لم يكن محيطا به، يقال بدا له، و قد يعبر به عن من يهم بأمر ثم يندم على ما هم، و لا يتقرر شي‌ء من ذلك في النسخ؛ فإن علم الباري سبحانه متعلق بالمعلومات على ما هي عليه، و لا يتجدد له علم لم يكن، و الإرادة على أصولنا لا يعتبر بها الأمر؛ فإن الرب سبحانه و تعالى يأمر بما لا يريده، و يريد ما لا يأمر به، فلم يبق لادعاء البداء وجه.

و قد تمسك نفاة النسخ بتخيل لا يقوم بالانفصال عنه إلا متبحر في هذا الشأن، و ذلك أنهم قالوا: ما أوجبه اللّه تعالى فقد أخبر عن كونه واجبا؛ فلو حظره و أخبر عن كونه محظورا، لانقلب الخبر الأول خلقا واقعا على خلاف مخبره، و ذلك مستحيل.

و الذي ذكروه تخييل ليس له تحصيل و ذلك أن الوجوب ليس بصفة للواجب على أصلنا؛ و المعنى بكون الشي‌ء واجبا أنه الذي قيل فيه «افعل»: فإذا أخبر الرب تعالى عن وجوب الشي‌ء فمعناه أنه أخبر عن الأمر به؛ فإذا نهى عنه أخبر عن النهي عنه؛ فليس بين الإخبار عن الأمر به تحقيقا و بين‌

اسم الکتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد المؤلف : الجویني، عبد الملك    الجزء : 1  صفحة : 138
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست