اسم الکتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد المؤلف : الجویني، عبد الملك الجزء : 1 صفحة : 136
يتصور منه الأمر و النهي و
قال عند اختتام هذا الفصل و لو لم يتفق في كتابنا إلا هذا لكان بالحري أن يغتبط
به.
و قد أبنا ما فهمناه من
كلام ذلك الحبر رضي اللّه عنه، و لسنا نرى ذلك مقنعا في الحجاج، و لا سبيل إلى حسم
الطلبات عما ذكرناه، و لا وجه لادعاء الضرورة. و الذي عليه التعويل في غرض الفصل،
أنا نقول: قد أوضحنا الطرق الموصلة إلى كون الباري سبحانه عالما مريدا، و قد قدمنا
ما فيه مقنع في إثبات كلام النفس. و العالم بالشيء المريد له، لا يمتنع أن يقوم
به أخبار من المعلوم المراد، على حسب تعلق العلم و الإرادة به.
و كل معنى يقبله الموجود،
فإنه لا يعرى عنه أو عن ضده، إن كان له ضد، كما قرر في صدر الاعتقاد. فلو لم يتصف
الباري تعالى بخبر صدق، لوجب اتصافه بضده؛ و إذا اتصف بضده استحال أن يقدر ذلك
الصدق ذهولا و غفلة عما قدرناه مخبرا عنه. فإن الذهول كما يضاد الخبر عن الشيء،
فإنه يضاد أيضا العلم به و إرادته. و إن كان ضد الخبر الصدق، خبرا هو خلف و كذب
واقع على خلاف المخبر، فيجب مع تقدير ذلك الوصف بقدمه و القضاء باستحالة عدمه، لما
قدمناه من إثبات قدم الكلام.
ثم يؤول منتهى ذلك إلى أنه
يستحيل من الباري تعالى أن يخبر عما علمه، على حسب تعلق العلم به. و ذلك معلوم
بطلانه؛ فإنا نعلم قطعا أن العالم بالشيء يستحيل أن يتصف، على علمه به بصفة
يستحيل عليه معها كلام نفسه، المتعلق بمعلومه على حسب تعلق العلم به، حتى يقال
مستحيل مع العلم به إخبار النفس عنه. فإذا امتنع ادعاء هذه الاستحالة شاهدا، و
انتسب جاحد ما قلناه إلى دفع البديهة، فيلزم طرده شاهدا و غائبا.
فإن قيل: كيف ادعيتم
البديهة في فرع أصله متنازع فيه، فإن معظم المتكلمين صاروا إلى إنكار كلام النفس؟
قلنا: الذي يدعي أهل الحق أن كلام النفس لا ينكر، و إنما التنازع في أن ما ادعيناه:
هل هو كلام، أو هو اعتقاد، أو علم. فأما هواجس النفس و خواطرها، فالاتصاف بها
معلوم لا يجحد.
فإن قالوا: ليس يمتنع مع
تقدير كلام النفس، أن يعلم العالم كون زيد في الدار، و يدير في خلد نفسه مع ذلك
أنه ليس في الدار، قلنا: هذا تخييل و وهم، فإن ذلك الكلام الدائر أخبار، و ليس
بخبر ناجز مثبت. و الذي يحقق ذلك، أن العالم بالشيء مع الإخبار عنه على حسب العلم
به بتا قطعا، يدير في نفسه ما صوره السائل. و حديث النفس على حكم الصدق مستدام،
كما كان قبل خطور هذا التقدير.
و لو كان ما ألزمه السائل
ثابتا، لاستحال اجتماعه مع نقيضه. و كل عالم بالشيء مخبر عنه على حقيقته، يجد من
نفسه على الضرورة الاتصاف بكونه مخبرا عنه، مع تقديره مخبرا، على حكم الخلف. و
سبيل ذلك كسبيل العلم بالشيء على ما هو به، مع تقدير اعتقاده فيه على خلاف ما هو
به، فلا يكون الاعتقاد المقدر مع العلم المتقرر اعتقادا محققا.
اسم الکتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد المؤلف : الجویني، عبد الملك الجزء : 1 صفحة : 136