اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 98
[فصل فى ان حقيقة العجب
استعظام النفس و خصالها]
حقيقة العجب استعظام النفس
و خصالها التي هي من النعم، و الركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم و الأمن
من زوالها. فإن أضاف إليه أن رأى لنفسه عند اللّه حقا و مكانا، سمي ذلك إدلالا؛ و
في الخبر أن صلاة المدلّ لا ترتفع فوق رأسه، و علامة إدلاله أن يتعجب من رد دعائه،
و يتعجب من استقامة حال من يؤذيه. و العجب هو سبب الكبر، و لكن الكبر يستدعي
متكبّرا عليه، و العجب مقصور على الانفراد. أما من رأى نعمة اللّه على نفسه بعمل
أو علم أو غيره و هو خائف على زواله، و فرح بنعمة اللّه تعالى عليه من حيث إنها من
اللّه، فليس بمعجب، بل العجب أن يأمن و ينسى الإضافة إلى المنعم.
[فصل العجب جهل محض،
فعلاجه العلم المحض]
العجب جهل محض، فعلاجه
العلم المحض، فإنه إن أعجب بقوة و جمال أو أمر مما ليس يتعلق باختياره، فهو جهل
أيضا، إذ ليس ذلك إليه، فينبغي أن يعجب بمن أعطاه ذلك من غير استحقاق، و ينبغي أن
يتفكر في زوال ذلك المخوف على القرب بأدنى مرض و ضعف، و إن أعجب بعلمه و عمله و ما
يدخل تحت اختياره فينبغي أن يتفكر في تلك الأعمال بما ذا تيسرت له، و أنها لا
تتيسر إلا بعضو و قدرة و إرادة و معرفة، و أن جميع ذلك من خلق اللّه عز و جل. و
إذا خلق اللّه العضو و القدرة و سلّط الدواعي و صرّف الصوارف، كان حصول الفعل
ضروريّا، و ليس للمضطر أن يتعجب بما يحصل منه اضطرارا، و هو مضطر إلى اختياره،
فإنه لا يفعل إن شاء، و لكن إن يشأ اللّه، شاء أو لم يشأ، مهما خلقت فيه المشيئة،
قال اللّه سبحانه و تعالى: وَ ما تَشاؤُنَ
إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الإنسان: 30، التكوير:
29] فمفتاح العمل انجزام المشيئة و انصراف الدواعي الصارفة مع كمال القدرة و
الأعضاء، و كل ذلك بيد اللّه تعالى. أ رأيت لو كان بيد ملك مفتاح خزانة فأعطاك
إياه فأخذت منها أموالا. أتعجب بجوده إذا أعطاك المفتاح بغير استحقاق، أو بكمالك
في أخذه و أي كمال في الأخذ بعد التمكّن؟
[فصل من العجائب أن
يعجب العاقل بعلمه و عقله]
و من العجائب أن يعجب
العاقل بعلمه و عقله، حتى يتعجب إن أفقره اللّه تعالى و أغنى بعض الجهال و يقول:
كيف وسّع النعمة على الجاهل و حرمني؟ فيقال له: كيف رزقك العلم و العقل و حرمهما
الجاهل؟ فهذه عطية منه، أ فتجعلها سببا لاستحقاق عطية
اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 98