اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 93
من هذه الرذيلة و العقيدة،
و لذلك قال صلى اللّه عليه و سلم: «أعوذ بك من نفخة الكبر»، و لذلك استأذن بعضهم
عمر- رضي اللّه عنه- ليعظ الناس بعد الصبح، فقال: لأخشى أن تنتفخ حتى تبلغ الثريا،
ثم هذه النفخة يصدر منها أفعال على الظاهر، كالترفع في المجالس، و التقدم في
الطريق، و النظر بعين التحقير و الغضب إذا لم يبدأ السلام و قصّر في حوائجه و
تعظيمه، و يحمله على أن يأنف إذا وعظ، و يعنّف إذا وعظ و علّم، و يجحد الحق إذا
ناظر، و ينظر إلى العامة كأنه ينظر إلى الحمير. و إنما عظّم الكبر حتى لا يدخل
الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة منه، لأن تحته ثلاثة أنواع من الخبائث العظيمة:
أولها: أنه منازعة اللّه
تعالى في خصوص صفته، إذ الكبرياء رداؤه، كما قال اللّه؛ فإن العظمة لا تليق إلا
به. و من أين تليق العظمة بالعبد الذليل الذي لا يملك من أمر نفسه شيئا، فضلا عن
أمر غيره.
الثانية: أن يحمله على جحد
الحق و ازدراء الخلق. قال صلى اللّه عليه و سلم في بيان الكبر:
«الكبر من سفه الحقّ، و
غمص[1] الناس، و الأنفة من الحق، تغلق باب
السعادة، و كذا استحقار الخلق». و قال بعضهم: إن اللّه سبحانه خبأ ثلاثا في ثلاث:
خبأ رضاه في طاعته، فلا تحقرن شيئا منها لعل رضاء اللّه فيه، و خبأ سخطه في
معصيته، فلا تحقرن شيئا منها صغيرة، فلعل سخط اللّه تعالى فيها، و خبأ ولايته في
عباده، فلا تحقرن أحدا منهم فلعله وليّ اللّه تعالى.
الثالثة: أنه يحول بينه و
بين جميع الأخلاق المحمودة، لأن المتكبر لا يقدر أن يحب للناس ما يحب لنفسه، و لا
يقدر على التواضع، و على ترك الأنفة و الحسد و الغضب، و لا يقدر على كظم الغيظ، و
على اللطف في النصح، و على ترك الرياء.
و بالجملة فلا يبقى خلق
مذموم إلا و يضطر المتكبر إلى ارتكابه، و لا خلق محمود إلا و يضطر إلى تركه.
[فصل فى ان العلاج
الجملي لقمع رذيلة الكبر أن يعرف الإنسان نفسه]
العلاج الجملي لقمع رذيلة
الكبر أن يعرف الإنسان نفسه، و أن أوله نطفة مذرة[2]