اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 81
و لا تكون كارها للموت، و
لا محبا للضيعة. و لتكن الضيعة- و هي مدخل طعامك- كالخلاء الذي هو موضع فراغك،
فإنما تريده للضرورة، و بودك لو تخلصت منه لتخرج عن النهي في قوله صلى اللّه عليه
و سلم: «لا تتخذوا الضيعة فتحبوا الدنيا»؛ فإنك إذا قصدت الفراغة للاستعانة بها
على الدين، كنت متزودا مسافرا لا معرجا على الضيعة.
و ربما لا يحتمل بعض
الأشخاص القناعة بالقدر الذي ذكرته إلا بشدة و مشقة. و لا حرج في الدين في ازدياد
الضعف على هذا القدر؛ إذ لا يصير من أبناء الدنيا و لا يخرج من حزب أبناء الآخرة و
المسافرين إلى اللّه تعالى ما دام يقصد بذلك دفع الألم الشاغل عن الذكر و العبادة
دون التلذذ و التنعم في الدنيا. ثم ما فضل من الطعام صرفه إلى البائس و الأرامل، و
لا يبقى بعد هذه الرخصة داعية إلى الزيادة إلا للتنعم أو للتصدق أو للاستظهار، لو
أصاب المال آفة. أمّا التنعّم فإعراض عن اللّه تعالى، و اشتغال بالدنيا، و أما
التصدق، فترك المال أفضل منه؛ قال عيسى عليه السلام: «يا طالب الدنيا لتبرّ فتركك
لها أبرّ و أبرّ». و أما الاستظهار، لخوف آفة، فذلك لا مرد له، و هو سوء الظن لا آخر
له، بل ينبغي أن تدفع ذلك بحسن الظن بتدبير اللّه عز و جل، و هو أن تتصور أن تصيب
المال آفة من حيث لا يتوقع فيتصور أن ينفتح للرزق أيضا باب لا يحتسب، وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ
مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2، 3]. و إن فرض
على الندور خلافه، فلا ينبغي أن يعتقد العبد أن سلامته- طول عمره- عن البلاء
محتوم، بل البلاء هو الذي يصقل القلب و يزكيه، و يخلصه من الخبائث كلها؛ و لهذا
كان موكلا بالأنبياء، ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل. فاتكل على فضل اللّه، و
اعلم أنك لا يصيبك إلا ما فيه خيرك و خيرتك[1]، فإن اللّه مدبّر الملك و الملكوت أعلم بمصالحك.
[فصل فى ان الذي ذكرت
تقريب يمكن الزيادة عليه و النقصان منه]
هذا الذي ذكرته تقريب يمكن
الزيادة عليه و النقصان منه بالاجتهاد في بعض الأشخاص و في بعض الأحوال. و لكن
اعتقد قطعا أن المال كالدواء النافع منه قدر مخصوص، و الإفراط فيه قاتل، و القرب
من الإفراط ممرض إن لم يقتل. فعليك بالتقليل
[1] الخيرة (بكسر الخاء
و تسكين الياء أو فتحها): الأفضل.
اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 81