اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 75
إحداهما: كسره بالرياضة؛ و
لست أعني بكسره إماطته[1]،
فإنه لا يزول أصله و لا ينبغي أن يزول، بل إن زال وجب تحصيله، لأنه آلة القتال مع
الكفار، و المنع من المنكرات و كثير من الخيرات[2]. و هو ككلب الصائد، إنما رياضته في تأديبه حتى ينقاد للعقل و الشرع
فيهيج بإشارة العقل و الشرع، و يسكن بإشارتهما و لا يخالفهما، كما ينقاد الكلب
للصياد. و هذا ممكن بالمجاهدة، و هو اعتياد الحلم و الاحتمال مع التعرض للمغضبات.
الثانية: ضبط الغضب عند
الهيجان بالكظم. و يعين عليه علم و عمل؛ أما العلم، فهو أن يعلم أنه لا سبب لغضبه
إلا أنه أنكر أن يجري الشيء على مراد اللّه لا على مراده، و هذا غاية الجهل. و
الآخر أن يعلم أن غضب اللّه عليه أعظم من غضبه عليه، و أن فضل اللّه أكبر. و كم
عصاه و خالف أمره! فلم يغضب عليه إن خالفه غيره؟ فليس أمره عليه ألزم على عبده و
أهله و رفقته من أمر اللّه عليه. و أما العمل، فهو أن يقول: «أعوذ باللّه من
الشيطان الرجيم»، إذ يعلم أن ذلك من الشيطان؛ فإن لم يسكن، جلس إن كان قائما، و
يضطجع إن كان قاعدا، و كذلك ورد الخبر باختلاف الحال أنه يؤثر في التسكين، و إن لم
يسكن فيتوضأ؛ قال عليه الصلاة و السلام: «إن الشيطان خلق من النار، و إنما تطفأ
النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ»، و قال عليه السلام: «ألا إن الغضب جمرة في
قلب ابن آدم، ألا ترون إلى حمرة عينيه، و انتفاخ أوداجه؟ فمن وجد من ذلك شيئا
فليضرب خدّه بالأرض». و هذه إشارة إلى تمكين أعز الأعضاء من أذلّ المواضع، لينكسر
الكبر، فإنه السبب الأعظم في الغضب، ليعلم أنه عبد ذليل فلا يليق به الكبر.
قال رسول اللّه صلى اللّه
عليه و سلم: «إن الرجل ليدرك بالحلم درجة القائم و الصائم، و إنه ليكتب جبارا و ما
يملك إلا أهل بيته» و قال صلى اللّه عليه و سلم: من كظم غيظا و لو شاء أن يمضيه
أمضاه، ملأ اللّه تعالى قلبه يوم القيامة أمنا و إيمانا»، و قال عليه السلام: «ما
من جرعة أحب إلى اللّه تعالى من جرعة غيظ يكظمها عبد، و ما كظمها عبد إلا ملأ
اللّه جوفه إيمانا».