اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 44
كتب بعض و كلاء ابن
المبارك من البصرة إليه يسأله عن معاملة رجل يعامل السلطان، فقال: «إن كان لا
يعامل غير السلطان فلا تعامله، و إن كان يعامل غيره أيضا فعامله».
و بالجملة، الناس في حقك
ستة أقسام: أحدهم أن يكون مجهولا، فكل من ماله و الحذر ليس بواجب، بل هو محض
الورع. الثاني: أن تعرفه بالصلاح فكل منه و لا تتورّع، فالورع فيه وسوسة؛ فإن أدى
إلى الأذى و الإيحاش فهو معصية و حرام، لما فيه من الإيذاء، و لما فيه من سوء الظن
بالرجل الصالح. الثالث: أن تعرفه بالظلم و الربا حتى علمت أن كل ماله أو أكثره
حرام كالسلاطين الظلمة و غيرهم، فمالهم حرام.
الرابع: أن تعرف أن أكثر
أمواله حلال، و لكن لا يخلو من حرام، كرجل له تجارة و ميراث، و هو مع هذا في عمل
السلطان، فلك الأخذ بالأغلب، لكن الترك من الورع المهم. الخامس: أن يكون مجهولا
عندك، لكن ترى عليه علامة الظلم، كالقباء و القلنسوة و هيئة الظلمة، فهذه علامة
ظاهرة توجب الحذر، فلا تأكل من ماله إلا بعد التفتيش. السادس: إن ترى عليه علامة
الفسق لا علامة الظلم، كطول الشارب، و انقسام شعر الرأس قزعا[1]، و رأيته يشتم غيره، أو ينظر إلى امرأة؛ فإن علمت له مالا موروثا أو
تجارة لم يحرّم ماله بذلك، و إن كان أمره مجهولا عندك فهذا فيه خطر، لأن علامة
الفسق أضعف دلالة من علامة الظلم؛ و لكن الأظهر عندي أنه لا يحرّم ماله لأن ظاهر
اليد و الإسلام يدل على الملك دلالة أظهر من دلالة هذه العلامات على التحريم؛ و
ليست هذه الدلالة أقوى من دلالة النصرانية و المجوسية على نجاسة الماء، و لم يلتفت
إليهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و لا عمر- رضي اللّه عنه-.
أما علامة الظلم، فتضاهي[2] ما إذا رأينا ظبية تبول في ماء، ثم
وجدنا الماء متغيرا، فأمكن أن يكون من طول المكث، و أمكن أن يكون من البول، فإنه
يجب اجتنابه إحالة على السبب الظاهر. ثم وراء ذلك كله، عليه أن يستفتي قلبه، فإذا
وجد في قلبه حزازة[3] فليجتنبه، فالإثم حزازة القلوب و
حكاكات الصدور. و لكن هاهنا دقيقة[4]
[1] قزعا: جمع قزعة، و
هي القطعة أو الخصلة من الشعر.