responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 173

و ملاحظة الوجه خاصة. و هم أبدا في دار البقاء، إذ ملحوظهم على الوجه الباقي، و ما عدا ذلك فإلى الفناء مصيره؛ أعني السماء و الأرض، و ما يتعلق بهما من المحسوسات و المتخيلات و الموهومات؛ و هو معنى قوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَ يَبْقى‌ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ‌ [الرحمن: 26، 27]. و هذه العوالم منازل سفر الإنسانية، يترقى من حضيض درجة البهائم إلى يفاع رتبة الملائكة؛ ثم يترقّى من رتبتهم إلى رتبة العشّاق منهم، و هم العاكفون على ملاحظة جمال الوجه، يسبحون للوجه و يقدسونه بالليل و النهار لا يفترون.

فانظر الآن إلى خسّة الإنسان و شرفه، و إلى بعد مراقيه في معارجه، و إلى انحطاط درجاته في تسفّله. و كلّ الآدميين مردودون إلى أسفل السّافلين، ثم الذين آمنوا و عملوا الصالحات يترقون منها فلهم أجر غير ممنون، و هو جمال الوجه، و بهذا يفهم معنى قوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ ... [الأحزاب: 72] الآية. لأن معنى الأمانة التعرض للعهدة و الخطرة، و لا خطر على سكان الأرض، و هم البهائم، إذ ليس لهم إمكان الترقّي من المنزل الثالث؛ و لا خطر على الملائكة، إذ ليس لهم خوف الانحطاط إلى حضيض عالم البهائم.

و انظر إلى الإنسان و عجائب عوالمه كيف يعرج إلى السماء العلوي رقيّا، و يهوى إلى أرض الحقارة هويّا، متقلدا هذا الخطر العظيم الذي لم يتقلده في الوجود غيره. فيا مسكين! كيف تهدّدني بالعاقبة، و تخوّفني مجاوزة الجمهور و مخالفة المشهور، و بذلك فرحي و سروري! إن الذين يكرهون مني ذلك الذي يشتهيه قلبي. فاطو طومار [1] الهذيان و لا تقعقعني بعد هذا بالشّنان‌ [2].


[1] طومار: صحيفة.

[2] في القاموس و ما يقعقع له بالشنان بفتح القافين يضرب لمن لا يتضع لحوادث الدهر و لا يروعه ما لا حقيقة له. و القعاقع تتابع أصوات الرعد. و الشنان كسحاب لغة في الشنآن و كغراب الماء البارد و ككتاب واد بالشام.

اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 173
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست