اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 127
فصل
الزهد باعتبار الباعث عليه
على ثلاث درجات: إحداها: أن يكون باعثه الخوف من النار و هذا زهد الخائفين. الثانية:
و هي أعلى منه أن يكون باعثه الرغبة في نعيم الآخرة، و هذا زهد الراجين. و العبادة
على الرجاء أفضل منها على الخوف، لأن الرجاء يقتضي المحبة. الثالثة: و هي أعلاها،
أن يكون الباعث عليه الترفع عن الالتفات إلى ما سوى الحق، تنزيها للنفس عنه، و
استحقارا لما سوى اللّه؛ و هذا زهد العارفين، و هو الزهد المحقق، و ما قبله
معاملة، إذ ينزل صاحبها عن شيء عاجلا ليعتاض عنه أضعافه آجلا.
فصل
الزهد باعتبار ما فيه من
الزهد على درجات، و كماله الزهد في كلّ ما سوى اللّه تعالى في الدنيا و الآخرة، و
دونه الزهد في الدنيا خاصة دون الآخرة. ثم يدخل فيه كل ما فيه حظ و تمتع في
الدنيا، من مال و جاه و تنعم. و دون ذلك أن يزهد في المال دون الجاه، أو في بعض
الأشياء دون البعض، و ذلك ضعيف، لأن الجاه ألذّ و أشهى من المال، فالزهد فيه أهمّ.
فصل
الزهد أن تنزوي عن الدنيا
طوعا مع القدرة عليها، أما إن انزوت الدنيا عنك و أنت راغب فيها، فذلك فقر و ليس
بزهد. و لكن للفقر أيضا فضل على الغنى، لأنه منع عن التمتع بالدنيا، و هذا هو أفضل
ممن مكّن من الدنيا و التمتع بها حتى ألفها و اطمأن إليها، و لم يتجاف قلبه عنها،
فيعظم الألم و الحسرة عند الموت، و تكون الدنيا كأنها جنة الغنيّ، و تكون كأنها
سجن الفقير، إذ يشتهي الخلاص من آلامها. و الفقر من أسباب السعادة؛ قال النبي صلى
اللّه عليه و سلم: «إن اللّه تعالى يحمي عبده عن الدنيا و هو يحبه، كما يحمي أحدكم
مريضه عن الطعام و الشّراب»، و قال عليه السلام: «يدخل فقراء أمتي الجنة قبل
أغنيائها بخمسمائة عام»، و قال عليه السلام: «خير هذه الأمة فقراؤها»، و قال عليه
السلام: «إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصّالحين، و إذا رأيت الغنى مقبلا
فقل ذنب عجّلت عقوبته»، و قال موسى- عليه السلام-: يا رب من أحباؤك من خلقك حتى
أحبهم لأجلك؟ فقال: كل فقير.
اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 127