اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 12
فإذا فهمت أن هذه الآلات
أصول لا بدّ منها للحركة، و أن الحركة لا بدّ من تقدرها ليتقدر ما يتولد منها،
فكذلك فافهم حصول الحوادث المقدر التي لا يتقدم منها شيء و لا يتأخر؛ إذا جاء
أجلهم، أي حضر سببها. و كل ذلك بمقدار معلوم أن اللّه بالغ أمره قد جعل اللّه لكل
شيء قدرا. فالسماوات و الأفلاك و الكواكب و الأرض و البحر و الهواء، و هذه
الأجسام العظام في العالم كتلك الآلات، و السبب المحرك للأفلاك و الكواكب و الشمس
و القمر بحساب معلوم، كتلك الثقبة الموجبة لنزول الماء بقدر معلوم، و إفضاء حركة
الشمس و القمر و الكواكب إلى حصول الحوادث في الأرض، كإفضاء حركة الماء إلى حصول
تلك الحركات المفضية إلى سقوط الكرة المعرّفة لانقضاء الساعة. و مثال تداعي حركات
السماء الى تغيير الأرض، هو أن الشمس بحركتها إذا بلغت إلى المشرق فاستضاء العالم،
و تيسر على الناس الإبصار، فيتيسر عليهم الانتشار في الاشتغال؛ فإذا بلغ المغرب
تعذر عليهم ذلك، فيرجعوا إلى المساكن. و إذا قربت من وسط السماء و سامتت[1] رءوس أهل الأقاليم حمي الهواء و اشتد
القيظ و حصل نضج الفواكه، و إذا بعدت حصل الشتاء و اشتد البرد، و إذا توسطت حصل
الاعتدال فظهر الربيع، و أنبتت الأرض و ظهرت الخضرة؛ و قس بهذه للمشهورات التي
تعرفها و الغرائب التي لا تعرفها.
فاختلاف هذه الفصول كلها
مقدرة بقدر معلوم، لأنها منوطة بحركات الشمس و القمر، و
الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبانٍ [الرحمن: 5]، أي حركتهما
بحساب معلوم. فهذا هو التقدير. و وضع الأسباب الكلية هو القضاء. و التدبير الأول
الذي هو كلمح البصر، هو الحكم. و كما أن حركة الآلة و الخيط و الكرة ليست خارجة عن
مشيئة واضع الآلة، بل ذلك هو الذي أراد بوضع الآلة فكذلك كل ما يحدث في العالم من
الحوادث، شرها و خيرها، نفعها و ضرها، غير خارج عن مشيئة اللّه تعالى، بل ذلك مراد
اللّه تعالى و لأجله دبر أسبابه. و تفهيم الأمور الإلهية بالأمثلة العرفية عسير؛ و
لكن المقصود من الأمثلة التنبيه، فدع المثال و تنبه للغرض، و احذر من التمثيل و التشبيه.
الأصل السادس في السمع و
البصر:
و أنه تعالى سميع بصير،
يسمع و يرى: لا يعزب عن سمعه مسموع و إن خفي، و لا يغيب عن رؤيته مرئيّ و إن دق، و
لا يحجب سمعه بعد، و لا يدفع رؤيته ظلام، يرى