فإن هذا مما لا يقبله العقل و إن وقع في كلام الإمام و غيره، و أدلة
القائلين بأن وجود الشيء نفس ذاته لا يفيد سوى أن ليس للشيء هوية، و لعارضه
المسمى بالوجود هوية أخرى، قائمة بالأولى[1]بحيث يجتمعان اجتماع البياض و الجسم من غير دلالة على أن المفهوم من
وجود الشيء هو المفهوم من ذلك الشيء. فإن هذا بديهي البطلان، فإذا لا يظهر من
كلام الفريقين و لا يتصور من المنصف، خلاف في أن الوجود زائد على الماهية ذهنا، أي
عند العقل و بحسب المفهوم و التصور بمعنى أن للعقل أن يلاحظ الوجود دون الماهية، و
الماهية دون الوجود لا عينا، أي بحسب الذات و الهوية بأن يكون لكل منهما هوية
متميزة يقوم أحدهما بالأخرى كبياض الجسم، فعند تحرير المبحث و بيان أن المراد
الزيادة في التصور أو في الهوية يرتفع النزاع بين الفريقين، و يظهر أن القول يكون
اشتراك الوجود لفظيا، بمعنى أن المفهوم من الوجود المضاف إلى الإنسان غير المفهوم
من المضاف إلى الفرس، و لا اشتراك بينهما في مفهوم الكون مكابرة و مخالفة لبديهة
العقل، و ذهب صاحب المواقف[2]إلى
أن النزاع راجع إلى النزاع في الوجود الذهني فمن أثبته قال بالزيادة عقلا. بمعنى
أن في العقل أمرا هو الوجود و آخر هو الماهية.
و من نفاه أطلق القول بأنه نفس الماهية، لأنه لا تغاير و لا تمايز في
الخارج، و ليس وراء الخارج أمر يتحقق فيه أحدهما بدون الآخر، فيتحقق التمايز و فيه
نظر. لأنه لا نزاع للقائلين بنفي الوجود الذهني في تعقل الكليات و الاعتبارات، و
المعدومات، و الممتنعات، و مغايرة بعضها للبعض بحسب المفهوم و إنما نزاعهم
[2]هو عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار
أبو الفضل. عضد الدين الإيجي عالم بالأصول و المعاني العربية من أهل إيج (بفارس)
ولي القضاء و أنجب تلاميذ عظاما و جرت له محنة مع صاحب كرمان. فحبسه بالقلعة فمات
مسجونا. من تصانيفه: المواقف، و الرسالة العضدية، و جواهر الكلام. توفي عام 756 ه.