من التناقض، حيث اعترفوا بحقية[1] إثبات أو نفي سيما إذا تمسكوا فيما ادعوا بشبهة، بخلاف اللاأدرية
فإنهم أصروا[2] على التردد و الشك[3] في كل ما يلتفت إليه، حتى في كونهم
شاكين و تمسكوا بأنه لا وثوق على حكم الحس و العقل لما مر من شبه الفريقين، و لا
على الاستدلال لكونه فرعها، فلم يبق الا طريق التوقف، و غرضهم من هذا التمسك حصول
الشك و التهمة لا إثبات أمر أو نفيه، فلهذا كانوا أمثل طريقة من العنادية و
العندية، و المحققون على أنه لا سبيل إلى البحث و المناظرة معهم، لأنها لإفادة
المجهول بالمعلوم، و هم لا يعترفون بمعلوم أصلا، بل يصرون على إنكار الضروريات
أيضا حتى الحسيات و البديهيات، و في الاشتغال بإثباتهما التزام لمذهبهم، و تحصيل
لغرضهم من كون الحسيات و البديهيات غير حاصلة بالضرورة بل مفتقرة إلى الاكتساب إذ
عندنا لا يتصور كون الضروري مجهولا يستفاد بالمعلوم، فالطريق معهم التعذيب و لو
بالنار، فإما أن يعترفوا بالألم و هو من الحسيات، و بالفرق بينه و بين اللذة، و هو
من العقليات و فيه بطلان لمذهبهم، و انتفاء لملتهم، و إما أن يصروا على الإنكار
فيحترقوا، و فيه اضمحلال لثائرة[4] فتنتهم و انطفاء[5] لثائر شعلتهم.
[1] في (ب) بحقيقة.
[2] سقط من (ب) لفظ(أصروا).
[3] الشك: هو الترددبين نقيضين لا يرجح العقل أحدهما على الآخر، و ذلك لوجود أمارات متساوية في الكل،أو لعدم وجود أية أمارة فيهما، و يرجع تردد العقل بين الحكمين إلى عجزه عن معاناةالتحليل، أو إلى قناعته بالجهل و لذلك قيل: إن الشك ضرب من الجهل، إلا أنه أخصمنه. و الشك المنهجي عند (ديكارت) هو الطريقة الموصولة إلى اليقين.
[4] في (ب) غاية منتهم.
[5] في (ب) و اطفاءالنار.