اسم الکتاب : الاقتصاد في الاعتقاد المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 158
أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللّه محمد رسول
اللّه، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحقها) [1]، و هذه الفرق منقسمون
إلى مسرفين و غلاة، و إلى مقتصدين بالإضافة إليهم، ثم المجتهد يرى تكفيرهم و قد يكون
ظنه في بعض المسائل و على بعض الفرق أظهر. و تفصيل آحاد تلك المسائل يطول ثم يثير الفتن
و الأحقاد، فإن أكثر الخائضين في هذا إنما يحركهم التعصب و اتباع تكفير المكذب للرسول،
و هؤلاء ليسوا مكذبين أصلا و لم يثبت لنا أن الخطأ في التأويل موجب للتكفير، فلا بد
من دليل عليه، و ثبت أن العصمة مستفادة من قول لا إله إلا اللّه قطعا، فلا يدفع ذلك
إلا بقاطع، و هذا القدر كاف في التنبيه على أن إسراف من بالغ في التكفير ليس عن برهان
فإن البرهان إما أصل أو قياس على أصل، و الأصل هو التكذيب الصريح و من ليس بمكذب فليس
في معنى الكذب أصلا فيبقى تحت عموم العصمة بكلمة الشهادة.
الرتبة الخامسة:
من ترك التكذيب الصريح و لكن ينكر أصلا من أصول الشرعيات
المعلومة بالتواتر من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، كقول القائل:
الصلوات الخمس غير واجبة، فإذا قرئ عليه القرآن و الأخبار
قال: لست أعلم صدر هذا من رسول اللّه، فلعله غلط و تحريف. و كمن يقول: أنا معترف بوجوب
الحج و لكن لا أدري أين مكة و أين الكعبة، و لا أدري أن البلد الذي تستقبله الناس و
يحجونه هل هي البلد التي حجها النبي عليه السلام و وصفها القرآن، فهذا أيضا ينبغي أن
يحكم بكفره لأنه مكذب و لكنه محترز عن التصريح، و إلا فالمتواترات تشترك في دركها العوام
و الخواص و ليس بطلان ما يقوله كبطلان مذهب المعتزلة فإن ذلك يختص لدركه أولوا البصائر
من النظار إلا أن يكون هذا الشخص قريب العهد بالاسلام و لم يتواتر عنده بعد هذه الأمور
فيمهله إلى أن يتواتر عنده، و لسنا نكفره لأنه أنكر أمرا معلوما بالتواتر، و إنه لو
أنكر غزوة من غزوات النبي صلى اللّه عليه و سلم المتواترة أو أنكر نكاحه حفصة بنت عمر،