اسم الکتاب : أبكار الأفكار في أصول الدين المؤلف : الآمدي، سيف الدين الجزء : 1 صفحة : 519
سلمنا أنه سأل الرؤية؛ و لكن لنفسه، أو لأجل
دفع قومه في قولهم: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [1] الأول؛ ممنوع، و الثانى؛ مسلم؛ و
ذلك لأنهم لما سألوه الرؤية أضاف الرؤية إلى نفسه؛ ليكون منعه أبلغ في دفعهم، و ردعهم
عما سألوه تنبيها بالأعلى على الأدنى، و هذا هو تأويل الجاحظ، و متبعيه.
سلمنا أنه سأل الرؤية لنفسه؛ و لكن لا نسلم
أن ذلك ينافى العلم بالإحالة؛ إذ المقصود من سؤال الرؤية إنما هو أن يعلم الإحالة بطريق
سمعى مضاف إلى ما عنده من الدليل العقلى؛ لقصد التأكيد، و ذلك جائز بدليل قول إبراهيم
الخليل عليه السلام رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ
قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [2] بضم دليل المشاهدة إلى دليل العقل.
سلمنا أنه سأل الرؤية مع عدم علمه باستحالتها؛
و لكن ذلك غير قادح في نبوته مع كونه عالما بعدل الله تعالى، و وحدانيته، و لهذا سأل
وقوع الرؤية في الدنيا؛ و هى غير واقعة إجماعا.
سلمنا أنه كان عالما بإحالة الرؤية؛ و لكن
لم قلتم بامتناع السؤال؟ و إنما يكون ممتنعا أن لو كان ذلك محرما في شرعه. و إن كان
محرما في شرعه؛ فالصغائر غير ممتنعة على الأنبياء على ما يأتى [3]:
و أما الوجه الثانى: فالكلام عليه أيضا من
وجهين:
الأول: لا نسلم أنه علق الرؤية على أمر ممكن.
قولكم: إنه علقها على استقرار الجبل، و استقرار
الجبل ممكن.
فنقول: علقها على استقرار الجبل حال سكونه،
أو حال حركته. لا جائز أن يقال بالأول: و إلا لوجدت الرؤية ضرورة وجود الشرط؛ فإن الجبل
حال سكونه كان مستقرا؛ فلم يبق إلا الثانى.
و لا يخفى أن استقرار الجبل حال حركته محال
لذاته.
[1] سورة النساء 4/ 153. [2] سورة البقرة 2/ 260. [3] انظر الجزء الثانى- القاعدة الخامسة-
الأصل الخامس ل 168/ ب و ما بعدها.
اسم الکتاب : أبكار الأفكار في أصول الدين المؤلف : الآمدي، سيف الدين الجزء : 1 صفحة : 519