قضى
الآمدي معظم حياته رحالة في طلب العلم؛ فقد امتدّت رحلاته العلمية إلى أكثر من ستة
و ستين سنة. قضاها كلّها طالبا للعلم، و أستاذا و مؤلّفا، و قد بدأ رحلاته في سن مبكرة،
و كانت رحلته الأولى إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية التى كانت تعانى من الضعف، و
تسلّط أمراء الأقاليم، و لم يبق للخليفة فيها نفوذ أو سلطان حقيقى؛ و لكنها مع ذلك
كانت تحاول في عناد الحفاظ على ما لها من مجد علمى، و نفوذ أدبى.
و
قد هبط الفتى إلى بغداد في خلافة المستنجد بالله و الوزير بها يومئذ ابن هبيرة [2]؛
و قد رجّحت أن ذلك كان سنة 565 ه؛ لأنّ الخليفة توفى في ربيع الآخر سنة 566 بينما توفى
وزيره في حياته، و قبله بأشهر.
و
أيا كانت السنة التى دخل فيها بغداد؛ فقد دخلها الفتى، و قضى بها المرحلة الأولى من
حياته، و التقى فيها بمعظم شيوخه الذين حفظ التاريخ لنا أسماء بعضهم.
و
في هذه البيئة العلمية الخصبة، ألمّ الآمدي بجوانب الثقافة الإسلامية المختلفة دينية،
و غير دينية؛ حيث قضى بها ما يقرب من سبع عشرة سنة نضجت فيها شخصيته العلمية، و تحدد
اتجاهه الفكرى الّذي كان سببا في تأليب كثير من المتعصبين عليه، مما أدى في النهاية
إلى مغادرته بغداد.
ب-
رحلته إلى الشام (الفترة الأولى) [582 ه- 592 ه] 1186 م- 1196 م
ذهب
الآمدي إلى الشام ليستكمل دراسته بها بعد أن ضاقت به بغداد، و ضاق بها (كما سيأتى)
يقول ابن خلكان: «ثم انتقل إلى الشام، و اشتغل بفنون المعقول، و حفظ منه الكثير، و
تميّز فيه، و حصّل منه شيئا كثيرا، و لم يكن في زمانه أحفظ منه لهذه
[1]
تحدثت في الدراسة عن رحلاته العلمية بالتفصيل من ص 51- 79. [2]
مفرج الكروب في أخبار بنى أيوب لابن واصل 5/ 36.
اسم الکتاب : أبكار الأفكار في أصول الدين المؤلف : الآمدي، سيف الدين الجزء : 1 صفحة : 21