فذهب أكثرهم: إلى أن الحد راجع إلى نفس المحدود،
و صفته فى نفسه، فالحدّ و الحقيقة عندهم بمعنى واحد؛ و لهذا قالوا:/ الحد هو حقيقة
الشيء، و معناه.
و ذهب القاضى: إلى أنّ الحد راجع إلى قول
الحاد المنبئ عن حقيقة المحدود و صفته. معتمدا فى ذلك على أنه [2]: لو كان الحدّ هو
الحقيقة؛ لصدق إطلاق الحد، على كل ما يصدق عليه إطلاق الحقيقة.
و هو غير مطرد فى حق الله- تعالى-؛ حيث يقال
له حقيقة، و لا يقال له حد [3].
و الحق فى ذلك: أن الحدّ فى اللغة، عبارة
عن المنع، و منه يقال للبوّاب حدّاد؛ لمنعه بعض الناس عن الدخول، و للحديد حديد؛ لامتناع
تفككه بسهولة. و للعقوبات حدود؛ لافضائها إلى المنع من الإقدام على الجنايات.
و عند ذلك فلا يخفى صحة إطلاق الحد لغة:
على حقيقة الشيء، من حيث إنها حاصرة له مانعة من دخول غيره فيه، و القول المعبر عن
الحقيقة أيضا، مطابق لها؛ فيكون مشاركا لها فى المنع من دخول ما خرج عن الحقيقة فيها؛
فلا يمتنع أيضا إطلاق اسم الحد عليه لغة، و لا معنى لتصويب أحد القولين، و إبطال الآخر
من جهة اللغة، و امتناع إطلاق اسم الحد على الله- تعالى- و جواز إطلاق الحقيقة عليه،
مما لا يدل على امتناع كون الحقيقة حدّا بالمعنى اللغوى، و إن امتنع إطلاق ذلك شرعا؛
لعدم ورود الشرع به، أو لوروده بالمنع منه؛ لكن مع هذا كله، ليس المقصود البحث [4]
عن معنى الحد لغة؛ بل البحث عن الحد الّذي هو طريق تعريف الحقيقة، بالكشف [5] عنها؛
و ذلك لا يكون بنفس الحقيقة؛ بل بما هو خارج عنها و هو دليل عليها؛ و ذلك هو القول؛
فليكن البيان مختصا به.
[1] فى ب (فقد). [2] فى ب (إن). [3] زائد فى ب (قال شيخنا أبو الحسن الآمدي). [4] ساقط من (ب). [5] فى ب (و الكشف).
اسم الکتاب : أبكار الأفكار في أصول الدين المؤلف : الآمدي، سيف الدين الجزء : 1 صفحة : 179