ثم إن هذه تعد مما يحمل الإنسان من مؤونة هذا البدن وتكاليفه لما له في ذلك من المصلحة فإن اهتمامه بتنظيف بدنه وأخذ ما يعلوه من الشعر مما يكسر به شرته [١] ويكف عاديته [٢] ويشغله عن بعض ما يخرجه إليه الفراغ من الأشر [٣] والبطالة.
( الريق وما فيه من المنفعة )
تأمل الريق وما فيه من المنفعة فإنه جعل يجري جريانا دائما إلى الفم ليبل الحلق واللهوات [٤] فلا يجف فإن هذه المواضع لو جعلت كذلك كان فيه هلاك الأسنان ثم كان لا يستطيع أن يسيغ [٥] طعاما إذا لم يكن في الفم بلة تنفذه تشهد بذلك المشاهدة واعلم أن الرطوبة مطية الغذاء وقد تجري من هذه البلة إلى مواضع أخر من المرة [٦] فيكون في ذلك صلاح تام للإنسان ولو يبست المرة لهلك الإنسان.
( محاذير كون بطن الإنسان كهيئة القباء )
ولقد قال قوم من جهلة المتكلمين وضعفة المتفلسفين بقلة التمييز
[١] الشرة ـ بكسر فتشديد ـ الحدة والنشاط او الشر. [٢] العادية : الحدة والغضب او الشغل او الظلم والشر. [٣] الاشر ـ بفتحتين ـ البطر وشدة الفرح والجمع أشرون واشارى [٤] اللهوات جمع لهاة وهي اللحمة المشرفة على الحلق في اقصى سقف الفم. [٥] اساغ الطعام يصيغه سيغا : سهل مطعمه. [٦] المرة ـ بالكسر ـ خلط من اخلاط البدن وهو الصفراء او السوداء والجمع مرار