وأمّا الأمر الرابع وهو أنّ سنخ الوضع هنا سنخ الوضع الحقيقي الخارجي فيرد عليه: أوّلاً: عين الايراد الذي أوردناه على القول
الثاني، وهو أنّ تفسير الوضع بهذا المعنى على فرض صحّته في نفسه، تفسير
بمعنى دقيق خارج عن أذهان عامّة الواضعين ولا سيما القاصرين منهم كالأطفال
والمجانين، مع أ نّا نرى صدور الوضع منهم كثيراً، والحال أ نّهم لا يدركون
هذا المعنى الدقيق، وأ نّه من قبيل وضع العَلَم على رأس الفرسخ، غاية الأمر
أنّ الوضع فيه حقيقي وفي المقام اعتباري. ومن الواضح أ نّه لا يكاد يمكن
أن يكون الوضع أمراً يغفل عنه الخواص فضلاً عن العوام. وثانياً: أنّ وضع اللفظ ليس من سنخ الوضع الحقيقي كوضع العَلَم على رأس الفرسخ، والوجه في ذلك: هو أنّ وضع العلم يتقوّم بثلاثة أركان:
الركن الأوّل: الموضوع وهو العَلَم.
الركن الثاني: الموضوع عليه وهو ذات المكان.
الركن الثالث: الموضوع له وهو الدلالة على كون المكان رأس الفرسخ.
وهذا بخلاف الوضع في باب الألفاظ فانّه يتقوّم بركنين:
الأوّل: الموضوع وهو اللفظ.
الثاني: الموضوع له وهو دلالته على معناه، ولا يحتاج إلى شيء ثالث ليكون
ذلك الثالث هو الموضوع عليه، وإطلاقه على المعنى الموضوع له لو لم يكن من
الأغلاط الظاهرة فلا أقل من أ نّه لم يعهد في الاطلاقات المتعارفة
والاستعمالات الشائعة، مع أنّ لازم ما أفاده (قدس سره) هو أن يكون المعنى
هو الموضوع عليه .
ـ