اسم الکتاب : العلاّمة البلاغي رجل العلم والجهاد المؤلف : الحسّون، محمد الجزء : 1 صفحة : 68
الصلاحيّة للغرس .
فما ظنّك بالحافر إذا لم يعلم بنكبة هذه الأرض ، ووجد بعد عشرين طبقة منها عظاماً هي من بقيّة فقرات ظهر الشاة وذنب الكلب ورقبة الدجاج ، وجمجمة الحمار ، وفكّ الثعلب ، مع شيء من الريش أو رسمه وكانت متقاربة ؟
وقد شاهدنا أرضاً مسطّحةً حفروها للفلاحة فوجدوا فيهاـ بحفر ذراع أو نصفه أو أكثر ـ خوابي خزفيّة مسدودة الفوهة بقطعة خزف أيضاً ، قد أُضجعت فيها أجساد الموتى بكثرة تكشف عن أنّ تلك الأرض كانت مقبرة قديمة جدّاً . ومن المستبعد جدّاً أن تكون عادة الدافنين لموتاهم جعلهم تحت ذراع أو شبر من التراب ، فإنّ ذلك لا يمنع من ظهور الرائحة ، ولا يحفظ الموتى من عبث الوحوش .
وإنّ كثيراً من مزارع الأُرزّ الأبيض في العراق فيما بين الدرجة الثلاثين والثالثة والثلاثين من العرض ، كانت أرضاً قفراء غوريّة ، فصارت بتوجّه الماء مستنقعات ، ثمّ اعتنت بها الفلاحة بأن وجّهت إليها الماء العكر من طغيان الأنهار بنحو يقتضي أن يرسب طين الماء فيها ، فتكتسب طبقات عديدة مختلفة في يسير من السنين ، وربما يبلغ المكتسب عدّة أمتار ، وفي كلّ سنة من السنين في الزراعة تزيد الطبقات فيها ; لأنّ الأُرزّ تزيد جودته ونموّه بزيادة الطين الجديد ; لتبريد حرارة الأرض من موقعها الجغرافي ، كما تدمل أرض مصر من طين فيضان النيل .
وقد علا بعض الأراضي المذكورة حتّى كاد أن يخرج عن الصلاحيّة لزراعة الأُرزّ ، التي هي أنفع للزرّاع من زراعة غيره ، فصار الفلاّحون يوجّهون الماء العكر إليها بمقدار يكون راسبه بنحو ما يستوفيه في النموّ نبات الأُرزّ من الأرض ، وقد قاسوه بنحو الشبر من الأرض .
وقد جرّب هذه الأُمور في البساتين التي تُسقى سيحاً ، فإنّها تكتسب من الطين في أيّام طغيان الأنهار ما يبلغ أن يكون معدّله على مساحتها نحو أربعة أصابع أو خمسة أو أكثر من ذلك في كلّ سنة ، وتزيد على ذلك بأ نّها تدمل بالسماد في كلّ ثلاث سنين أو أكثر بمقدار يبلغ معدّله على مساحتها أيضاً نحو ما ذكرنا .
اسم الکتاب : العلاّمة البلاغي رجل العلم والجهاد المؤلف : الحسّون، محمد الجزء : 1 صفحة : 68