ونحن إذا استذكرنا ما مرّ آنفاً من انّ
عمر كان جاداً في دفع عليّ عما أراده الله تعالى له على لسان نبيّه ، ولمّا كان عليّ عليهالسلام
هو واحد من العترة بل هو سيدهم ، أدركنا المعنى الحقيقي لكلمة عمر : «
حسبنا كتاب الله » وهي تعني التفكيك بين القرآن والعترة عند التمسك بهما.
والرد الحاسم على استبعاد العترة من أهلية التمسك بها ، لذلك ارتكب ما
ارتكب ممّا لا يجوز لمثله أن يفعله ، وقال ما قال ممّا ليس من حقّه أن
يقوله. ولكنه اليقظ الحذر والمتمرّس على الخلاف على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم
، وشواهد ذلك يكفي منها يوم صلح الحديبية ، ويوم الصلاة على ابن أبيّ. وغير ذلك.
فأي مانع له الآن أن يعلن الخلاف ، ويقول
ما لا يحل له ولأي مسلم أن يقوله فينسب الهجر إلى النبيّ المعصوم. ما دام
هو بذلك يرفض قرناء الكتاب ، وكان من الطبيعي لمثله ، وهو يريد ذلك أن يقول
للحاضرين : « وعندكم القرآن » ـ يعني لا حاجة لنا بالعترة الّتي يدعونا
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
إلى التمسك بالكتاب وبها كما في حديث الثقلين ـ.
ولندع هذا الجانب التفسيري لكلمته ، ولنعد
إلى الجانب اللفظي لها. ولنستغفل عقولنا ثانية ، وكأننا نبحث عن حاقّ
المعنى لقوله. فماذا كان يعني بكلمته : « حسبنا كتاب الله » ؟ أو ليس معنى
ذلك هو رفض السنّة ؟ الّتي هي تلو الكتاب ؟ أفهل كان يرى حقاً عدم حجية
السنّة ؟
نعم كان وكان ، ولسنا نحمّله إلّا تبعة
أفعاله ، لأنّه ممّن أمر في أيامه بتحريقها ومحوها [١].
وما دام ليس من حقنا أن نحمّله خشية الإتهام بأنا لسنا معه
[١] الجامع لأحكام
القرآن ١٧ / ٥ و ١٤ / ١٠٨ ، وشواهد التنزيل ١ / ٣٣٤ ـ ٣٣٧.