ومن قائل يقول : القول
ما قال عمر. فلمّا أكثروا اللغط واللغو ، وتمادى القوم في نزاعهم ، غضب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
فقال : (قوموا عني ، لا ينبغي عند نبيّ تنازع) ، فقاموا.
قال ابن عباس : فجئناه بعد ذلك بصحيفة
ودواة ، فأبى أن يكتبه لنا ، ثمّ سمعناه يقول : (بعد ما قال قائلكم : عدى
العَدَوي وسينكث البكري) ، ثمّ قال : (ما أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه) ،
ثمّ أوصى بثلاث فقال : أحفظوني في أهل بيتي ، وأخرجوا المشركين من جزيرة
العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم به [١])
».
فكان ابن عباس رضياللهعنه بعد ذلك يقول : « الرزية
كلّ الرزية ما حال بين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب ، لولا مقالته ـ يعني مقالة عمر ـ لكتب لنا كتاباً لم تختلف أمته بعده ولم تفترق ».
هذه إحدى صور الحديث الآتية ، وأعتقد
أنّ القارئ يستفزه مثل هذا الحديث ويتسرّع إلى الحكم بوضعه ، لشدة صدمته ،
وقد تذهب به المذاهب في الحكم على أولئك الصحابة الّذين شاقّوا الله ورسوله
، فنسبوا الهجر إلى نبيّ أصطفاه الله لأداء رسالته إلى الناس كافة ، فكان
سفيره في خلقه ، وأمينه على وحيه ، ورسوله المسدّد ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ
الْهَوَىٰ *
إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ )[٢].
لكني أعتقد أيضاً أنّ القارئ سيظهر له
من متابعة صور الحديث الآتية ، وما يتبعها من أقوال العلماء في توجيهه ،
اعتذاراً عن المعارضة ، أنّ الحديث صحيح وأنهُ حديث رزيّة وأيّ رزيّة ، ولم
يكن ابن عباس رضياللهعنه
مبالغاً حين قال ذلك فيه ،
[١] نلفت نظر القارئ
إلى أن في الفقرات الثلاث اختلاف في النقل ، كما سيجده واضحاً فيما يأتي من ذكر صور الحديث فليلاحظ.