responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الرحلة المدرسيّة والمدرسة السيّارة في نهج الهدى المؤلف : البلاغي، الشيخ محمد جواد    الجزء : 1  صفحة : 292
وكل جزء منه صغيرا كان أو كبيرا يراه مسخرا للغايات الجليلة معدا للفوائد الكبيرة مستعملا في الآثار الباهرة جاريا على حكمة فائقة. وكلما أمعن النظر وأحسن الجد تجلت له حسب استعداده من الغايات والحكم ما لم يكن يخطر على باله. وها هو العلم قد صار يكشف كل يوم عن أسرار وغايات لم تكن في الخيال. أسرار وغايات يرتاح لها الشعور ويعظمها العلم ويستزيد منها العالم المجد الحر. ألا، وإن الوجدان يحكم بأوليات حكومته وبديهيات قضائه أن الموجد لأمثال هذه الأمور التي تهتفت بغاياتها لا بد من أن يكون عالما بتلك الغايات قد أوجد موجوداته لأعمال غاياتها ونتائج فوائدها التي نعرف منها ما لا يحصى ويكشف العلم في كل حين عما يبهر العقول بحكمته وعظيم فائدة. هذه القطع الصوانية التي وجدها الحفريون في جوف الأرض على هيئة فاس ومنشار وسنان. كيف حكم الوجدان من أهل العلم وسائر الناس بأنها صنعها البشر قبل ألوف من السنين لأجل غاياتها وفوائدها التي كانوا يتصورونها. وهذه موجودات العالم بأجمعها في جميع أدوارها مرتبة على نظام الغايات مستعملة فيها على أتقن الحكمة كيف لا يحكم الوجدان بأنها صنع صانع أنشأها لأعمال غاياتها المعلومة لديه.

إذا وجدنا مدينة ذات شوارع متوازنة وبيوت شامخة وغرف منظمة وآلات للضياء وآلات لتعديل الحر والبرد وطلمبات تقسم الماء بميزان متقن إلى جميع مساكن البلدة ومعاملها وطلمبات تجذب فضلة الماء المتكدر بالعوارض وتأتي به إلى معمل يصفيه ويقذف بطلمبا إلى أخرى إلى طلمبا التقسيم وهكذا وعلى هذا تدوم دورات الماء. ووجدنا فيها تلفونا وتلغرافا ممدودين بأتم الأدوات وأحسن الاتقان. ومقادير وافرة من

قضبان المغناطيس واللوالب والبراغي ولفات من شريط النحاس وصفائح من الحديث اللين. وبطاريات بكؤوسها ومزيجها ومفاتيح وقوابل ورواقم وألواحا معدنية وأعمدة وشريطا وغير ذلك من الأدوات اللازمة. ووجدنا أيضا فونغرافا يعرفنا بكلامه كيف نتكلم بالتلفون وكيف نتخابر بالتلغراف. وكيف نركبهما من أجزائهما وكيف نصلح خللهما. ووجدنا كراسي على كرسي منها عدة نسخ كتب فيها مسائل أصول الهندسة والحساب بخط جيد وإتقان فائق في ترتيبها وأشكالها متساوية الوضع والكتابة والأشكال. وعلى كرسي آخر عدة نسخ كذلك كتب فيها مسائل الهيئة الجديدة وأشكالها. وعلى كرسي آخر عدة نسخ كذلك كتب فيها الفلسفة الطبيعية بأبوابها وأشكالها.

وعلى كرسي آخر عدة نسخ كذلك كتب فيها علم الكيمياء بأبوابه ورسوم أعماله. وعلى كرسي آخر عدة نسخ كذلك كتب فيها علم التشريح وفوائد الأعضاء وأشكال التشريح لكل جزء من أجزاء الحيوان منفردا ومجتمعا بماله من التشعب والانعطاف والاستقامة والاندغام والهيئة وشرح ذلك بالإشارات والبيان الكافي فهل يسمح الوجدان أن تتوهم أو تحتمل أن هذا كله من فعل الطبيعة البكماء بالصدفة العمياء حصل من مجرد حركة الجواهر الفردة وتجمعها على مرور الدهور. فصار مدينة عامرة وبيوتا ومعامل وأمكنة وتلفونا وتلغرافا وفونغرافا وأدواتها وكتبا متعددة على ما وصفناه. حصل هذا كله من دون صنع صانع ولا توسط شعور ولا قصد غاية.

هل يشك ذو شعور بأن هذه التي ذكرناها إنما هي صنع صانع. صنعت لأجل غاياتها التي يقدرها صانعها بعلمه. إذن فهذا العالم المنتظم وموجوداته التي تبهر العلم والعقل بغاياتها الكبيرة المستعملة فيها كيف يقال إنه بتأثير الطبيعة البكماء والصدفة العمياء بلا شعور بغاية ولا حكمة؟!! لماذا لا يقال ذلك فيما ذكرناه من القطع الصوانية. والمدينة وما فيها؟!

اسم الکتاب : الرحلة المدرسيّة والمدرسة السيّارة في نهج الهدى المؤلف : البلاغي، الشيخ محمد جواد    الجزء : 1  صفحة : 292
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست