responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : ثم اهتديت (تحقيق وتعليق مركز الأبحاث العقائدية) المؤلف : التيجاني السماوي، محمد    الجزء : 1  صفحة : 595

من الذي أطلق مصطلح أهل السنّة والجماعة ؟!

لقد بحثت في التاريخ فلم أجد إلاّ أنّهم اتّفقوا على تسمية العام الذي استولى فيه معاوية على الحكم بعام الجماعة، وذلك أنّ الأمّة انقسمت بعد مقتل عثمان إلى قسمين : شيعة علي وأتباع معاوية، ولما استشهد الإمام علي واستولى معاوية على الحكم بعد الصلح الذي أبرمه مع الإمام الحسن، وأصبح معاوية هو أمير المؤمنين، سُمِّيَ ذلك العام بعام الجماعة.

إذن فالتسمية بأهل السنّة والجماعة دالّة على اتباع سنّة معاوية والاجتماع عليه، وليست تعني اتّباع سنّة رسول الله.

فالأئمّة من ذريّته وأهل بيته أدرى وأعلم بسنّة جدّهم من الطلقاء، وأهل البيت أدرى بما فيه، وأهل مكّة أدرى بشعابها، ولكنّنا خالفنا الأئمّة الاثني عشر الذين نصّ عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) واتّبعنا أعداءهم.

ورغم اعترافنا بالحديث الذي ذكر فيه رسول الله اثني عشر خليفة كلّهم من قريش [1] ، إلاّ أنّنا نتوقّف دائماً عند الخلفاء الأربعة.


[1] ولا يخفى أنّ الحديث لا يدلّ على لزوم تصدّي هؤلاء الاثني عشر للحكم الظاهري، فلا يقدح فيه عدم جريان أحكام بعض الأئمّة (عليهم السلام) في الظاهر، ولهذا قال (صلى الله عليه وآله وسلم) مشيراً إلى الحسنين: «إبناي هذان إمامان قاما أو قعدا»، فالحديث يدلّ على أنّ أمر النّاس سيكون ماضياً والإسلام سيكون عزيزاً إذ وليهم اثنا عشر خليفة، فما دام لم يليهم هؤلاء لم يكونوا أعزّاء بل أصيبوا طيلة حياتهم منذ وفاة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يومنا هذا بأنواع الفتن والمحن، وهذا نظير قوله تعالى: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً) فبما أنّهم لم يستقيموا لم يسقوا، وبما انّ المسلمين لم يتمسّكوا بهؤلاء الاثني عشر لم يكونوا أعزّاء.
ثمّ إنّ هذا الحديث من المعاجز النبويّة ومن الأمور الغيبيّة التي أخبر بها نبيّ الرحمة (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد أثبتها الرواة ورووها قبل اكتمال عدد الأئمّة (عليهم السلام) فلا يحتمل فيها الوضع من قبل الشّيعة، ولا يقدح في تمسّكنا به افتراق بعض الشّيعة، فانّ الضلال له أسباب ودوافع مختلفة منها المعاندة، قال تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ)، فافتراق بعض الشّيعة وانحرافهم عن الصراط المستقيم لا يدلّ على عدم صحّة تمسّكنا بهذا الحديث.
ثمّ إنّه لا يقال: «إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أبلغ النّاس ولا يذكر الأعمّ وهو قوله: كُلّهم من قريش، ويريد الأخصّ وهو عليّ وأولاده، فهذا خلاف البلاغة».
لأنّنا نقول:
أوّلا: ذكر العام وإرادة الخاص يكون قبيحاً فيما إذا لم تكن هناك قرائن متّصلة أو منفصلة تعيّن المراد، وهذه القرائن بحمد الله موجودة سواء كانت متّصلة أو منفصلة، أما القرائن المتّصلة فيدلّ على وجودها النظّر في متن الحديث وما وقع الضجيج والغوغاء بعد تكلّم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بحيث لم يسمع الراوي تمام الحديث ولذا اضطرّ بالسؤال من أبيه أو عمّه أو غيرهما ـ كما ورد في الأحاديث ـ فقد جاء في مسند أحمد ٥: ٩٣: «ثمّ تكلم بكلمة لم أفهمها وضجّ النّاس»، وفي لفظ الطبراني ٢: ١٩٦: «ثمّ لغط النّاس وتكلموا فلم أفهم قوله بعد كلّهم»، وفي المعجم أيضاً ٢: ٢٤٩: «ثمّ تكلم بشيء لم أسمعه فزعم القوم أنّه قال: كلّهم من قريش» فهذه النّصوص وغيرها، تدلّ على وجود قرائن في الكلام حاول البعض إخفاءها كما فعلوا فيما بعد عند مرضه (صلى الله عليه وآله وسلم) من لغطهم واختلافهم.
وفي لفظ كفاية الأثر للخزّاز القمي ص ١٠٦ هكذا جاء: «الأئمّة بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش تسعة من صلب الحسين والمهدي منهم» وهذا هو المعوّل عندنا.
وأما القرائن المنفصلة فهي كثيرة منها: حديث الثقلين، ومنها: ما ورد عن عليّ (عليه السلام)كما في النهج الخطبة ١٤٢ حيث قال: «إنّ الأئمّة من قريش في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم ولا يصلح الولاة من غيرهم».
ثانياً: لو فرضنا أنّ القرائن اللفظيّة انعدمت لكن العقل هو الحاكم هنا وهو الذي يخصّص هذا العموم، قال الآمدي في الأحكام ٢: ٣٣٩: «مذهب الجمهور من العلماء جواز تخصيص العموم بالدليل العقلي... ودليل ذلك قوله تعالى: (اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيء) متناول بعموم لفظه لغة كلّ شيء مع أنّ ذاته وصفاته أشياء حقيقيّة وليس خالقاً لها... وكذلك قوله: (وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ...) فإنّ الصبيّ والمجنون من النّاس حقيقة وهما غير مرادين من العموم بدلالة نظر العقل على امتناع تكليف من لا يفهم».
فما نحن فيه من هذا القبيل أي ننصرف عن عموم اللفظ في الحديث بدلالة نظر العقل على امتناع تولّي من لا أهلية له بهذا المنصب، لأنّ الإمامة تلو النبوّة واستمرارً لها ولا ينالها إلاّ من كان بمرتبة النبيّ وبمنزلته علماً وورعاً وشجاعة وغيرها من الصفات، فيخرج من العموم بضرورة العقل كلّ من لم يكن بمنزلة النبيّ في جميع صفاته وأحواله سوى نزول الوحي، وإن كان قرشيّاً، فلابدّ من أن يحمل هذا الحديث على الأئمّة الاثني عشر من عترته، لأنّهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلّهم وأورعهم وأتقاهم وأعلاهم نسباً وأفضلهم حسباً وأكرمهم عند الله، وكان علمهم متّصلا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالوراثة واللدنيّة.

اسم الکتاب : ثم اهتديت (تحقيق وتعليق مركز الأبحاث العقائدية) المؤلف : التيجاني السماوي، محمد    الجزء : 1  صفحة : 595
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست