ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمّون به إلّا ليلتين، كلتاهما عصمني اللّه منهما، قلت ليلة لبعض فتيان مكة و نحن في رعاية غنم أهلينا، فقلت لصاحبي: انظر لي غنمي حتى أدخل مكة فأسمر فيها كما يسمر الفتيان، فقال: بلى، فدخلت حتى إذا جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفا بالغرابيل و المزامير، فقلت: ما هذا؟ فقيل: تزوج فلان فلانة، فجلست أنظر، فضرب اللّه على أذني، فو اللّه ما أيقظني إلّا مسّ الشمس، فرجعت إلى صاحبي، فقال: ما فعلت؟ فقلت: لا شيء، ثم أخبرته بالذي رأيت.
ثم قلت له ليلة أخرى: انظر لي غنمي حتى أسمر بمكة، ففعل، فلما جئت مكة سمعت مثل الذي سمعته تلك الليلة، فسألت فقيل: فلان نكح فلانه، فجلست أنظر، و ضرب اللّه على أذني فو اللّه ما أيقظني إلّا مس الشمس، فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ فقلت: ما فعلت شيئا؛ ثم أخبرته بالخبر، فو اللّه ما هممت و لا عدت بعدها لشيء من ذلك حتى أكرمني اللّه عزّ و جلّ بنبوّته.
- قوله: «حتى أكرمني اللّه عزّ و جلّ بنبوته»:
أخرجه ابن إسحاق في سيرته [/ 79- 80]، و من طريقه البخاري في تاريخه معلقا [1/ 130]، و البزار في مسنده [3/ 129 كشف الأستار]، رقم 2403 بلفظ مختصر، و البيهقي في الدلائل [2/ 34]، و صححه ابن حبان كما في الإحسان برقم 6272، و الحاكم في المستدرك [4/ 245]، و وافقه الذهبي في التلخيص، و قال الهيثمي في مجمع الزوائد [8/ 226]: رواه البزار و رجاله ثقات، و قال السيوطي في الخصائص [1/ 219]: قال ابن حجر:
إسناده حسن متصل، و رجاله ثقات.
قال أبو عاصم: كأن الحافظ ابن كثير تردد في ثبوته لما في السياق من الغرابة فقال في تاريخه [4/ 228]: هذا حديث غريب جدّا، و قد يكون عن علي-