فأخبرها بالكرامة التي أكرمه اللّه بها- من الرسالة و النبوة- فغشي عليها من الفرح، فنضح عليها رسول اللّه (صلى الله عليه و سلم) الماء حتى أفاقت، و آمنت باللّه و رسوله، و شهدت شهادة الحق، و كان يسمى محمد الأمين.
- فرجع إلى بيته و هو موقن قد فاز فوزا عظيما، قال الحافظ البيهقي في الدلائل: أما النبي (صلى الله عليه و سلم) فكان قد وثق بما قال له جبريل، و أراه من الآيات، و ما كان من تسليم الشجر و الحجر عليه.
و أخرج ابن سعد في الطبقات [1/ 157] من حديث برة بنت أبي تجراة قالت: إن رسول اللّه (صلى الله عليه و سلم) حين أراد اللّه كرامته و ابتدأه بالنبوة كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يرى بيتا، و يفضي إلى الشعاب و بطون الأدوية، فلا يمر بحجر و لا شجرة إلّا قالت: السلام عليك يا رسول اللّه، فكان يلتفت عن يمينه و شماله و خلفه فلا يرى أحدا.
قال ابن سيد الناس في سيرته [1/ 175]: يحتمل أن يكون هذا التسليم حقيقة فيكون اللّه أنطقه بذلك؛ كما خلق الحنين في الجذع، و يحتمل أن يكون مضافا إلى ملائكة يسكنون هناك، من باب وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ، فيكون من مجاز الحذف، و على كلا التقديرين هو علم ظاهر من أعلام النبوة.
قوله: «و شهدت شهادة الحق»:
زيد في نسخة «م»: تلك الحرة السيدة الجليلة الشريفة السعيدة رضي اللّه عنها.
قوله: «و كان يسمى: محمد الأمين»:
هذه العبارة من «ظ» فقط.
و تسميته (صلى الله عليه و سلم) بالأمين مشهور من قبل أن يبعث، فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده [3/ 425] من حديث مجاهد عن مولاه- يعني السائب- أنه كان فيمن يبني في الجاهلية، قال: فبنينا حتى بلغنا موضع الحجر فقال بطن من قريش: نحن نضعه، و قال آخرون: نحن نضعه، فقالوا: اجعلوا بينكم حكما، قالوا: أول رجل يطلع من الفج، فجاء النبي (صلى الله عليه و سلم) فقالوا: أتاكم الأمين ... الحديث.