هذا الذي ذكرت هو مذهب أهل السنة و الجماعة في هذه المسألة، كما يفهم من كتب أصولهم، و يعلم من تصانيفهم في هذا الباب، و الأصل فيه عندهم الآيات التي نوهت بعظيم قدره، و الأحاديث المروية التي أشارت إلى كبير شرفه.
قال الحافظ أبو محمد الدارمي (رحمه اللّه) في مسنده: أخبرنا عبيد اللّه بن عبد المجيد، ثنا زمعة، عن سلمة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:
جلس ناس من أصحاب النبي (صلى الله عليه و سلم) [1] ينتظرونه، فخرج، حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فتسمّع حديثهم، فإذا بعضهم يقول: عجبا! إن اللّه اتخذ من خلقه خليلا، فإبراهيم خليله، و قال آخر: ما ذا بأعجب من:
وَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً، و قال آخر: فعيسى كلمة اللّه و روحه، و قال آخر: و آدم اصطفاه اللّه، فخرج عليهم فسلم، و قال: قد سمعت كلامكم و عجبكم، إن إبراهيم خليل اللّه و هو كذلك، و موسى نجي اللّه
- و البعث و النشور، و الميزان و الحساب، و الصراط، و الحوض، و الشفاعة، و الجنة و النار، و غير ذلك مما يتعلق بالأصول و تمييزها ليكون عونا لمن تكلم فيها و استشهد بما بلغه منها، فلم يعرف حالها و ما يقبل و ما يروى منها: أردت- و المشيئة للّه تعالى- أن أجمع بعض ما بلغنا من معجزات نبينا محمد (صلى الله عليه و سلم) و دلائل نبوته؛ ليكون عونا لهم على إثبات رسالته ... إلخ. اه.
فانظر رحمك اللّه كيف جعل الأحاديث الواردة في شرفه و فضله و ما أكرمه اللّه به من أصول الدين التي أشار إلى ما خرّجه و ألفه فيه، حتى أعقبها بالدلائل التي يثبت بأحاديثها رسالته و نبوته (صلى الله عليه و سلم).
[1] قوله: «جلس ناس من أصحاب النبي (صلى الله عليه و سلم)»:
انظر تخريجنا له في كتابنا فتح المنان شرح مسند أبي محمد عبد اللّه بن عبد الرحمن تحت رقم 49.