لا أدخل في هذا الدين حتى أعلم أنهم هم الذين أرجو و أنظر سيرتهم و أعمالهم، فلم أزل أدافع ذلك و أؤخره لأستثبت، حتى قدم علينا عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، فلما رأيت وفاءهم بالعهد، و ما صنع اللّه لهم على الأعداء علمت أنهم الذين كنت أنتظر، فحدثت نفسي بالدخول في دينهم، فو اللّه إني ذات ليلة فوق سطحي فإذا رجل من المسلمين يتلو قول اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًافلما سمعت هذه الآية خشيت أن لا أصبح حتى يحول وجهي في قفاي، فما كان شيء بأحب إليّ من الصباح، فغدوت على المسلمين.
70- و عن شهر بن حوشب، عن كعب قال: قلت لعمر بالشام عند انصرافه: إنه مكتوب في الكتب أن هذه البلاد التي كان بنو إسرائيل أهلها مفتوحة على يد رجل من الصالحين، رحيم بالمؤمنين، شديد على الكافرين، سره مثل علانيته، و قوله لا يجاوز فعله، و القريب و البعيد سواء في الحق عنده، أتباعه رهبان بالليل و أسد بالنهار، متراحمون متواصلون متبادرون، فقال عمر: ثكلتك أمك أحق ما تقول؟ فقال: بلى و الذي يسمع ما أقول، فقال: الحمد لله الذي أعزنا و أكرمنا و شرفنا و رحمنا بنبينا محمد (صلى الله عليه و سلم) و رحمته التي وسعت كل شيء.
قال: ثم إنه خرج من الشام مقبلا إلى المدينة.
(70)- قوله: «و عن شهر بن حوشب»:
أخرجها ضمن الأول ابن عساكر في تاريخه [50/ 161- 162]، و سيأتي في باب ظهور النبي (صلى الله عليه و سلم) و انقلابه في أصلاب آبائه.