و ما عدا أن فرغ من السواك حتى رفع يده أو إصبعه، و شخص بصره نحو السقف، و تحركت شفتاه، فأصغت إليه عائشة و هو يقول: «مع الذين أنعمت عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين، اللهم اغفر لي و ارحمني، و ألحقني بالرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى [1]».
كرر الكلمة الأخيرة ثلاثا، و مالت يده و لحق بالرفيق الأعلى. إنا للّه و إنا إليه راجعون.
وقع هذا الحارث حين اشتدت الضحى من يوم الإثنين 12 ربيع الأول سنة 11 ه.
و قد تم له (صلّى اللّه عليه و سلم) ثلاث و ستون سنة و زادت أربعة أيام.
تفاقم الأحزان على الصحابة
و تسرب النبأ الفادح، و أظلمت على المدينة أرجاؤها و آفاقها. قال أنس: ما رأيت يوما قط كان أحسن و لا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم)، و ما رأيت يوما كان أقبح و لا أظلم من يوم مات فيه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) [2].
و لما مات قالت فاطمة: يا أبتاه أجاب ربا دعاه. يا أبتاه، من أنة الفردوس مأواه. يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه [3].
موقف عمر
و وقف عمر بن الخطاب- و قد أخرجه الخبر عن وعيه- يقول: إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) توفي، و إن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) ما مات، لكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجعت إليهم بعد أن قيل قد مات.
و و اللّه ليرجعن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم): فليقطعن أيدي رجال و أرجلهم يزعمون أنه مات [4].
موقف أبي بكر
و أقبل أبو بكر على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل، فدخل المسجد، فلم يكلم
[1] نفس المصدر و الباب، آخر ما تكلم النبيّ (صلّى اللّه عليه و سلم) 2/ 638، 639، 640، 641.