ثم قال: «إن عبدا خيره اللّه أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء، و بين ما عنده، فاختار ما عنده» قال أبو سعيد الخدري: فبكى أبو بكر. قال: فديناك بآبائنا و أمهاتنا فعجبنا له، فقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ، يخبر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) عن عبد خيره اللّه بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا، و بين ما عنده، و هو يقول: فديناك بآبائنا و أمهاتنا. فكان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) هو المخير، و كان أبو بكر أعلمنا [2].
ثم قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) «إن من آمن الناس علي في صحبته و ماله أبو بكر، و لو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا، و لكن أخوة الإسلام و مودته، لا يبقين نفي المسجد باب إلا سد، إلا باب أبي بكر [3]».
قبل أربعة أيام
و يوم الخميس قبل الوفاة بأربعة أيام قال- و قد اشتد به الوجع-: «هلموا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده»- و في البيت رجال فيه عمر- فقال عمر: قد غلب عليه الوجع، و عندكم القرآن، حسبك كتاب اللّه. فاختلف أهل البيت و اختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لك رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم)، و منهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغط و الاختلاف قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم): «قوموا عني» [4].
و أوصى ذلك اليوم بثلاث: أوصى بإخراج اليهود و النصارى و المشركين من جزيرة العرب، و أوصى بإجازة الوفود بنحو ما كان يجيزه، أما الثالث فنسيه الراوي، و لعله الوصية بالاعتصام بالكتاب و السنة، أو تنفيذ جيش أسامة، أو هي: الصلاة و ما ملكت أيمانكم.
و النبيّ (صلّى اللّه عليه و سلم) مع ما كان به من شدة المرض كان يصلي بالناس جميع صلواته حتى ذلك اليوم- يوم الخميس قبل الوفاة بأربعة أيام- و قد صلى بالناس ذلك اليوم صلاة المغرب، فقرأ فيها بالمرسلات عرفا [5].